Saturday 17th July,200411615العددالسبت 29 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

يا صانعة الأمجاد يا صانعة الأمجاد
حنين بنت عبدالرحمن صالح العشماوي

يا زهرة فوّاحة في بستان أمَّتكِ الكبير.. ويا فراشةً رقيقة في فضاء أمتك الجميل.. ويا فتاةً مخلصةً تضعُ بيديها لبنات من الخير في بناءِ أمتك الشامخ.. ويا غزالة رشيقةً لم تزل تعدو في دروب الحياة زادها كتاب ربِّها وسنَّة نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم - ويميزها حجابها عن كل السالكين على هذه الدروب..
قفي قليلاًَ.. وتأمَّلي تلك الساعة التي تدق ثوانيها.. وتمضي دقائقها وتتوالى سراعاً ساعاتها، ثم تأمَّلي هذه الأيام التي لم تزل مشمرة عن ساقها تركض في ميدان أعمارنا.. ثم تأمّلي هذه الأسابيع التي يدوَّن فيها أعمالنا وتُرفع إلى الرحمن في يوميّ الإثنين والخميس، ثمّ انظري أخيَّتي لذلك الكأس الذي قد أترع بالطحالب.. إنك ستعلمين سريعاً أنه كأس المعاكسات المسموم لأنك سترين أثره الفظيع على الفتاةِ وأهلها.. وسمعتها وعفَّتِها.. ثم على أمتها وأخيراً.. أعيدي نظرك للأمام سترين عقولاً نيرة تناولك علاجاً سهلاً موضوعياً.. حلواً يخلو من المرارة.. لينزع هذا السلوك السيئ عن فطرتك السليمة:


بيني وبينك فطرة مغروسة
محروسة من ربنا المتفضِّلِ
غُرست مبرَّأة من الوهم الذي
يطغى على وجدانٍ كل مغفَّلِ
هي فطرة الإسلام ترقى روحُها
بالدِّين، عن أوهامِ من لم يَعقلِ(1)

نعم يا أُخيتي.. فطرة الإسلام التي غرسها فيك الرحمن.. وسقاها لك الأبوان، وأنت إن حميتها بنفسك وغزلت حولها نسيجاً من إيمانك.. فأنا أقسمُ لك أنك الرابحة


ربح الذين ينزِّهون عقولهم
عن كل قولٍ ساقطٍ متهلهل(2)

ولكن.. إن استهوتك المعاكسات وزادت بها في قلبكِ النبضات.. فاعلمي أنك تسيرين إلى الهاوية بقدميك التي تحمل جسدك الذي سيحاسبك الله عن كل عضو فيه، أأديت حق الله به؟! أشكرته بفعل الطاعات وتقربت إليه بالصالحات؟! أم جحدته بذنوبك المتتابعات وابتعدت عنه وعن أمل لقائه بأمانيك الدنيات؟، أمانيك التي صنعتِها بخيالك، خيالكِ فقط، فلم تحاولي قط في صناعتكِ لهذه أن تضيفي على معدنِ خيالك الخام شيئاً يسيراً من زئبق الواقع لأن مصنع الخيال لديك صغير محدود لا يتحمل مثل ذلك الزئبق الثقيل.. مع أنكِ لو أوقفت عمل ذاك المصنع قليلاً وسألتِ نفسك في خلوةٍ هذه الأسئلة:


أأظلّ ألهث خلف دعوى كاتب
أو شاعر متذبذب متخلخلِ؟
وأظل استجدي الشقي سعادتي
وأتيه بين محرم ومحللِ؟
أأبيع أجمل ما لدي بضده
وأبث في قلبي طبيعة معولِ؟
ولدي إشراقات دين محمد
وسنابل الخير التي لم تذبلِ(3)
ولو أنك قلتِ لنفسك
إن مات آدمُ فهو سابقنا الذي
لقي النهاية قبل أن تلقانا
أنهى عبور الجسرِ قبل عبورنا
وطوى البساط وغادر الميدانا(4)

ولو أنك قرأت قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ {26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ {27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ {28} وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ {29} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ } (5)
ولو أنك تفكَّرتِ فيما بعد الممات.. حينما تتعلقين بصاحبةِ السوءِ التي أضلتكِ.. أو بخليل الشرِّ الذي أغواك.. وقلت لهما: أنتما السبب.. ثقَّلت كفة سيئاتي.. فرجحت على حسناتي.. هاتوا شيئاً من الحسنات، لأدار كل منهما ظهره وقال: أنا براء منك.. ثم يصرخ.. نفسي نفسي..
ولو أنك تذكَّرتِ قوله تعالى:
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً {27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً {28} لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً}.
أقول: لو أنكِ تأملتِ كل ذلك بعين الواقع لما رفعتِ سماعة الهاتف يوما وجعلت أذنك ولسانك ويدك شاهدة على ذنبك جارَّة لك إلى النار.. ولما نقرتِ بأناملك على مفاتيح جهاز الحاسب وراسلتِ شيطاناً على جهاز آخر يبادلك حديث الشيطان ويغويكِ بمكره.. ولما خرجتِ إلى الشارع متعطرة متزينة بعباءة تصف للرجال جسدك وبغطاء يظهر عينيك الكحيلتين وخديك الورديين وحاجبيك المرسومين وكعب وخلخال تجذبين بصوتهما انظار كل من تمرين بجانبه حقيراً كان أم عظيماً.. ولما صدَّقتِ حب المعاكس وعشقه.. ولما خلطتِ أبداً بين الهدى وضده.. أختاه:


لا تخلطي بين الهدى ونقيضه
شتان بين تحرُّرٍ وتحللِ
شتان بين الورد في بستاننا
تزهو مناظره وبين الحنظلِ
شتان بين القلب يورق حبه
والقلب يغلي حقده كالمرجلِ(7)

اختاه.. تذكري دوماً مراقبة الله لك وهو القائل:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.
أختاه. تجنبي يوماً أن تجرمي بحق نفسك لأن الله يقول:
{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً {86} لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً } لعمري.. هل اتخذتِ عند الله عهداً كي يشفع لكِ رسول الله؟ إن لم تفعلي فما عليك سوى أن تردّدي خلف المؤذن الأذان خمس مرات في اليوم.. ثم تصلي على رسول الله كي تحل شفاعته لك.. في يوم لا يشفع فيه الا رسول الله وسورتا البقرة وآل عمران إن كنتِ ممن يقرأهما ويتدبر آياتهما.. وتذكري دوماً بأنك ستقفين بين يدي الله وحدك.. قال تعالى {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً {94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} (10)
أختاه. خالف موسى صاحبه الخضر ثلاث مرات فقال له {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وأنت تخالفين الله في اليوم مرات ومرات أما تخافين أن يقول لك {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} وختاماً عندما تقفين وقد أسبغت الوضوء واستقبلت القبلة.. وكبَّرتِ لله إعظاماً وإجلالا وبدأتِ تقرأين أُمَّ الكتاب.. قفي عند قوله تعالى { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } قفي عند هذه الأيات وكرريها مرات ومرات بقلب خاشع ضارع.. فلربما تلقفتها الملائكة ورفعتها للرحمن.. عندها.. والله لن يخيَّبكِ ربك أبداً.. فأحد التابعين يقول: عجباً لابن آدم إن أراد أن يدخل على مولاه بغير إذن وأن يكلمه بلا ترجمان دخل وكلَّمه..قيل: وكيف ذلك؟.. قال.. يسبغ الوضوء. ويقف في محرابه ويبدأ صلاته.. إذاً هو دخل على مولاه بغير إذن ويكلمه بلا ترجمان!!..
ولا تنسي حينما تلامس جبهتك - الوضَّاءة - سجادتكِ.. أن تدعي لنفسك ولفتيات وشباب المسلمين بالهدى والتقى والصلاح.
(1)، (2)،(3)،(7) من قصيدة بين آدم وحوّاء، ل د. عبدالرحمن العشماوي.
(4) من قصيدة (رحلة بين بوابتين) ل د. عبدالرحمن العشماوي.
(5) سورة القيامة آية (26) مريم آية (86- 87) (94-95)


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved