Saturday 17th July,200411615العددالسبت 29 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

نورة السويح.. فقيدة المصحف والحرم نورة السويح.. فقيدة المصحف والحرم
يوسف بن محمد العتيق

ليس المقصود من ذكر المواقف الشخصية للأهل والأقارب المتاجرة بها أو إطلاع الناس عليها لاستدرار عطفهم أو إشغالهم بقضايانا الأسرية والعائلية، فهذا أمر مرفوض، لكن في بعض الأحيان تكون رواية بعض المواقف والقصص أمانة على من علم شيئا في إطلاع الآخرين عليه؛ لنفع وفائدة أن يشركهم فيه، وهذا ما تعلمناه وما وجهنا كبارنا إليه، وهذا ما يجب أن يكون عليه كل من أخذ شيئا ولو بسيطاً من حب القلم والكتابة.
فإن كان- عزيزي القارئ الكريم- ما تطالعه الآن نفثات مصدور وآهات موجوع على فقد الأحبة والغالين، إلا أنها جزء من أحداث مجتمع متكاتف يحزن أفراده على فقد المخلصين من الرجال والنساء، الذين يشكل رحيلهم مأساة لنا وحزناً كبيراً.
وهذه قصة فيها عبرة وحكاية.. فيها عظة لامرأة افتقدناها هذه الأيام من جيل فريد، أصبحنا لا نسمع خبر أصحابه إلا كما يقال قديما (في سطور كتاب أو في قبر تحت التراب).
في عادة سنوية لها مع زوجها الفاضل وأبنائها وأحفادها، تعودت هذه المرأة أن تقضي جزءا من الاجازة في رحاب البيت والحرم، فأم سليمان نورة بنت عبدالعزيز السويح -رحمها الله رحمة واسعة- عرفتها من صغري امرأة صالحة ومن بيت صلاح وتقوى، على طريقة أمهاتنا وكبار السن ممن أجرى الله على أيديهن صدق اللهجة ومحبة النصح والشفقة والرأفة بالجميع وبخاصة الأطفال.
في هذه الأيام وحينما حطت رحالهم في الطائف لقضاء بعض الوقت قبل أخذ العمرة ألحَّتْ على أبنائها بسرعة الذهاب الى مكة المكرمة، وكأنها على موعد مع موقف يغبطها عليه كل من أحب أن يُختم له بالحسنى، نسأل الله أن يكون لها ذلك، وبعد أن اعتمرت وقضت نسكها توجهت يوم الاربعاء (19-5-1425هـ) الى الحرم المكي الشريف قبيل صلاة المغرب فأدت الصلاة في حرم الله، وبعد أن أدت فرضها شرعت في قراءة القرآن الكريم في حرم الله.. وفي تلك الأثناء وقبيل العشاء الآخر بدقائق قليلة رأت من امرأة سلوكا لا يتناسب وحرم الله المطهر ولا قدسية المكان، فأرادت القيام لها واعظة ومناصحة لها، فأعطت المصحف لأحد أحفادها لتقوم، فكانت قومتها لعمل الخير هذه هي آخر عمل قامت به في هذه الدنيا.. فقد انتقلت الى جوار ربها في بيت ربها، وفي وقت من أشرف الأوقات.. رحمها الله رحمة واسعة.
ثم ها هي يُصلى عليها وتدفن في أحب البقاع الى الله ورسوله وإليها (مكة المكرمة)، ويُصلى عليها في أعظم المساجد (حرم الله الآمن)، الذي طالما اشتاقت اليه وها هي تدفن قريبة منه.
ولا بأس أن أتحدث عن هذه المرأة الصالحة التي عرفتها منذ طفولتي، فهي وإن لم أكن محرما لها ولم أرها منذ ما يزيد على العقدين منذ الزمن، إلا أن وجهها المشرق وتدينها الصادق لا يفارقان عيناي.. رحمها الله.
أتذكرها موجهة لنا في الطفولة إذا جاوزنا حدود الأدب في اللعب والعبث، أو جاوزنا ما لا يحسن من الكلمات والعبارات التي لايسلم منها طفل.
وأعرف حرصها على مداومة قراءة القرآن، حتى انها في السنوات الأخيرة انتظمت في حلق التحفيظ لتزداد من قراءة القرآن رغبة في الأجر والثواب.
ويعرف الكل عنها حرصها على تنشئة الأبناء والأحفاد على أداء الصلاة في أوقاتها، وتربيتهم على ذلك، وان تلك قضية لا تقبل النقاش أو التأخير.
ولكن العزاء الوحيد لنا في رحيلها هو ما تركته من أبناء وبنيات وأحفاد هم قدوة في سلوكهم وصلاحهم، وتاجهم والدهم الرجل الفاضل نقي السيرة والسريرة الرجل المحبوب الأستاذ إبراهيم بن محمد السويح.
ولن يلقي القلم عصا التسيار قبل أن يعزي أهلها وذويها، وعلى رأسهم أم المكارم المرأة التي حط الصبر رحاله بأرضها، وكانت مثلا على الصبر على المصائب والأمراض.. أم نورة السويح، التي فقدت قبل أشهر زوجها وها هي تشاهد فقد ابنتها، وأصرَّ الأبناء على ان تكون هي آخر من يعلم بالوفاة وإعطائها الخبر بالتدريج، فمن غيبوبة الى وفاة.. فلم يعد للحزن في فؤاد هذه المرأة الصالحة مكان بعد أن فقدت الزوج، وها هي الآن تفقد كبرى بناتها.
رحمك الله يا أم سليمان، وأبدلك داراً خيراً من دارك في جنات النعيم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved