* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن محمد آل طالب المسلمين بتقوى الله عز وجل ومراقبته واطاعة أمره وعدم معصيته.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس في المسجد الحرام: ان مما جاء في مشكاة النبوة قول النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وصول حيازة الدنيا في ثلاثة أشياء: الأمن في الأوطان، والعافية في الأبدان، والرزق والكفاف، ففقد الأمن فقد لثلث الحياة، والثلث كثير.. ولما كان الامن ثلث العيش امتنَّ الله به على الأسلاف من قريش: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
وأضاف فضيلته يقول: إن الامن والامان والطمأنينة والاستقرار مطلب ضروري من مطالب الانسان، ففي ظل الامن يرغد العيش وينتشر العلم ويتفرغ الناس لعبادة ربهم ومصالح دنياهم؛ لذا كانت دعوة ابراهيم الخليل عليه السلام
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، فانظر كيف قدم الامن على طلب الرزق؛ لانه لا يهنأ عيش بلا أمان.. وقد امتنَّ الله تعالى على عباده بالامن في مواضع كثيرة من كتابه منها قوله سبحانه
{وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
قال قتادة بن دعامة رحمه الله في هذه الاية: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا وأعراه جلودا وأبينهم ظلالا.. مَنْ عاش منهم عاش شقيا ومَنْ مات منهم أردي في النار.. يؤكلون ولايأكلون.. واللهِ ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الارض يومئذ كانوا أشر منزلا منهم، حتى جاء الله بالاسلام فمكَّنَ به في البلاد ووسَّع به في الرزق، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس.. وبالاسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم مُنعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله.
ومضى فضيلته يقول: ومازالت هذه النعمة متوالية من الله وما انتقصت الا حين انتقص الناس من دينهم فبدلوا وغيروا، وما ضاقت الارزاق ووقعت القلاقل والفتن واستضعف المسلمون في أرجاء الارض الا حين خبط الشرك والمعاصي في بعض نواحي بلاد المسلمين، ولم تكن جزيرة العرب بمنأى عن ذلك، ففي عهد قريب كانت مرتعا للسلب والنهب والقتل والخوف حتى مَنَّ الله عليها بدعوة التوحيد واتباع سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فعادت آمنة مطمئنة تجبى اليها الثمرات من كل مكان، وتفجرت كنوز الارض وعمَّ الخير حتى صارت مهوى الافئدة دينا ودنيا، وما ذاك -واللهِ- الا ببركة دعوة التوحيد واتباع السنة وطاعة الله ورسوله.. فلله الحمد كثيرا كما أنعم كثيرا.
وأردف يقول: ألا انه ليس بين الله وبين أحد نسب، فبقدر الايمان والتقوى تكون النعم والخيرات.. نعم الايمان والتقوى بهما تفتح بركات الارض والسماء، وبهما يتحقق الامن والرخاء وصدق الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ}، والأمن مربوط بالإيمان
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
أما إنْ بدَّلَ العبادُ وغيروا، فإن سنن الله لاتحابي،{وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
وأفاد الشيخ آل طالب بأن طاعة الله ورسوله سبيل للثبات والنجاة من الازمات
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}.
إنَّ الامة اليوم بحاجة ماسة إلى مراجعة نفسها والعودة إلى ربها وترك المنكرات والتعاون على البر والتقوى، خصوصا في هذه الظروف الحرجة التي تسلط فيها الاعداء على الاسلام والمسلمين وديارهم.
إنَّ المفترض في هذه الازمات هو الفرار إلى الله والتوبة النصوح والتنادي بالرجوع إلى الله، والالتجاء اليه والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واسكات دعاة الرذيلة واعداء الصلاح، لافتا فضيلته إلى أن الاصرار على مخالفة أوامر الله مجلبة للنقم ومزيلة للنعم.
وقال: يجب علينا التمسك بالسنة ولو تركها الناس، وأن نغليها ولو أرخصوها، وندافع عنها ونصبر على الاذى في ذلك.. فهذا سبيل النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا هو طريق الأمن في الدنيا والآخرة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
|