Saturday 17th July,200411615العددالسبت 29 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

الأرض السوداء: رحلة عبر روسيا بعد السقوط الأرض السوداء: رحلة عبر روسيا بعد السقوط

أثرت روسيا كثيراً في الضمير الجمعي الأمريكي، فلعدة عقود كان السوفيت خطراً على كل شيء ناضلت الولايات المتحدة من أجل تحقيقه، فهناك جيل من الأطفال نشأ في فترة الحرب الباردة، وكانوا دائماً ما يخشون من أن يحرق صاروخ نووي سوفيتي مدارسهم!
وعندما تحطمت (إمبراطورية الشر) تنفس الأمريكيون الصعداء، وشعروا بالحماس الشديد ووضعوا الكابوس السوفيتي وراء ظهورهم، كما أصبحت الأحداث في روسيا غير ذات قيمة للمجتمع الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأصبحت لا تظهر بصورة كبيرة في وسائل الإعلام الأمريكية.
ولكن الصحفي الامريكي أندرو ميير يؤكد ويحذر على أننا يجب أن نراقب وعن كثب كل ما يجري في الاتحاد السوفيتي السابق، فهو يشعر أن تحويل كافة المجهودات والطاقات الأمريكية والأموال الأمريكية إلى العراق فقط سوف يزيد أمد الصراع الأمريكي من أجل تحول الاتحاد السوفيتي السابق إلى الديموقراطية، وسوف ينتج عن ذلك نتائج سيئة.وفي كتابه الذي بعنوان: (الأرض السوداء: رحلة عبر روسيا بعد السقوط)، يأخذنا ميير في مناطق روسيا الطويلة والممتدة التي بها 11 توقيت زمني مختلف، في رحلة كانت دموية في بعض أجزائها، ويمكننا من فهم نقطتين هامتين؛ فقد أظهر لنا أن الديموقراطية في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي لم تنته بعد، إضافة إلى إمكانية تراجع روسيا إلى الوراء والرجوع إلى فترة ما قبل المصارحة والمكاشفة الديموقراطية، ويؤكد مؤلف الكتاب على أن اعتقال فلاديمير بوتن لإمبراطور النفط الروسي وأغنى رجل في ذلك المجال ميخائيل خودوركوفسكي يعد دليلاً على أن بوتن الذي بلا رقابة ربما يتدخل في محاولات روسيا الناشئة للتحول إلى الديموقراطية وإلى نظام السوق الحر.
قماشة واحدة
ويعتقد ميير أن هناك سبباً آخر لكي نختبر مدى الاهمال الامريكي للقضية الروسية، وهو أن الروس والأمريكان لديهم نفس الصفات، بل إنهم ( من قماشة واحدة) وهو تعبير الشاعر الروسي جوزيف برودسكي، نفس الروح التواقة والشجاعة والطموح للوصول إلى أقصى شيء يمكن الوصول إليه، تلك الصفات التي بنيت عليها الدولتان.
وبينما قد يجد بعضنا أنه من السهل أن نتجاهل أي أحد أو أي شيء لا نعرفه عن روسيا، إلا أن ميير يحاول أن يبطل أي عذر لعدم قبول الشعب الأمريكي للشعب الروسي، والذي يشترك معه الشعب الأمريكي في الكثير من الصفات.وكتاب (الأرض السوداء) يحكي قصصاً عن خيانات حكومية أثناء الحرب مع الشيشان، ويغوص بنا داخل حياة عمال المصانع في شمال الدائرة القطبية، ويأخذنا إلى المستعمرات التأديبية في جزيرة سخالين حيث يقال إن الكاتب أنطون تشيكوف وجد ( صوته الأخلاقي) هناك.والكتاب ليس محاولة لدراسة أكاديمية قاسية لدولة منهزمة، ولكنه عبارة عن جولة خصبة لأرض مقهورة، وفي أثنائها نحاول أن نشعر بالألم والفخر لشعب أسيء فهمه.
وقد تحدث المؤلف أندرو ميير الذي قضى معظم فترات العقد الأخير في روسيا عن سفرياته عبر بلاد حية ومحطمة في الوقت ذاته وفيما يلي نص الحوار الذي اجراه مع مراسل مجلة (تايم) الأمريكية:
شخصية موسكو
حول وصفه لشخصية موسكو في الكتاب، والفرق بينها وبين نيويورك أو باريس، يقول المؤلف: في أي مدينة كبيرة مثل نيويورك أو لندن، وعلى نطاق أضيق في مدن أوروبا الأخرى، هناك شعور بالود والألفة، وذلك لأنك يجب عليك أن تتقاسم مساحة ما مع شخص ما في أي جانب من جوانب الحياة، سواء من خلال نظرات ودية أو الاشتراك معه في حوار، وذلك لأن الحياة هناك متداخلة بصورة كبيرة.
ويضيف قائلاً : أما في موسكو فهناك فارق كبير بين ما هو عام وما هو خاص، فإذا ما أتيت إلى روسيا ولم تكن تعرف أحداً وفقط ترى الناس في الشوارع فسوف تتساءل: لماذا يبدو الجميع بهذه التعاسة؟ ولماذا أن وجوههم قاسية بتلك الصورة ؟ ولكن إذا ما دخلت إلى عالمهم الشخصي والخاص داخل منازلهم فسوف ترى وجوهاً أخرى تماماً، وسوف تجد أن هناك دفئاً غير عادي.
ويقول المؤلف : في موسكو تجد أن الناس دائماً ما يكونوا مستعدين لتطفل وتدخل الدولة في الحياة الشخصية، وهو المزيج غير المهذب من التكبر والوقاحة، وهو بمثابة صفع مستمر على الوجه.
ففي الولايات المتحدة بالطبع نجد أن الرئيس يركب السيارات الفارهة ويقوم المسؤولون بإيقاف المرور له، وربما يبدو ذلك غير لائق، ولكن في موسكو يمكن أن يستمر ذلك لعدة ساعات.
فهم يغلقون مقاطع كاملة من المدينة، وتتوقف كل حركة المرور، وهو تذكير بأنك في حضرة العظمة، ليس فقط مجرد رمز رئيس الدولة أو مسؤول منتخب، ولكن شخص يتحكم في مصيرك.
اعتقال خودوركوفسكي
وحول اعتقال ميخائيل خودوركوفسكي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط الروسية الكبيرة يوكوس ، وتأثير ذلك على الطريقة التي ستتعامل بها إدارة الرئيس بوش مع بوتن، يقول مؤلف كتاب ( الارض السوداء): أي شخص شعر بالصدمة من اعتقال بوتن لأغنى رجل في روسيا ، فقد فعل بوتن ذلك بصورة متكررة ولكن على نطاق أقل، لقد حدثت انتكاسة في حرية الصحافة، سواء من حيث الدرجة أو من حيث صراحتها، وكما واجهت المنظمات غير الحكومية في الوقت ذاته من موسكو إلى سيبيريا عدة تحقيقات واستجوابات من أكبر السلطات الروسية.وتابع قائلا : وكل ذلك كان مستمراً منذ فترة طويلة، وقد اعتبرت واشنطن - وإلى حد ما الدول الأوروبية - أن ذلك لم يحدث لعدم توفر أدلة مادية قاطعة، وهناك عدة أسباب لذلك الشعور في الغرب، فمؤيدو سياسة الاسترضاء مع روسيا - كما أسميها أنا - يتحدثون عن أحداث 11 سبتمبر وعن الحاجة إلى وأضاف المؤلف : والآن ما يعود إلينا هو حصيلة أعمالنا، وأعتقد أن قصة القبض على أغنى رجل في روسيا سوف تصبح قصة سياسية في الغرب لأنها تتعلق بالنفط والمال قبل أي شيء، كما أنها تتعلق أيضاً بشأن مستقبل روسيا.
وقد أصدر جورج سوروس تعليقاً ذكياً للغاية ، فقد قال إنه يشعر بالقلق من أن واشنطن تعقد صفقة مع بوتن، وبذلك نستطيع تقوية الديموقراطية في العراق ولكن على حساب الديموقراطية في روسيا، وهي عبارة ذات مغزى بعيد ولكن أعتقد أنه كان محقاً.
القضية الشيشانية
وحول القضية الشيشانية وأسلوب المعالجة الروسية لها يقول المؤلف: الحرب الشيشانية الأولى أثناء فترة يلتسين كانت في الفترة ما بين 1994 و1996، وقد بدأت كحرب للاستقلال للحصول على السيادة الوطنية، ولكن تلك الحرب تحولت ببطء لتصبح صورة من صور حروب الاستنزاف.
وتابع قائلاً: وما كنت أحاول أن أفعله هو أن أتحدث عن مدى تحول الصراع ليصبح فوضى عارمة بمجرد أن أصبح فلاديمير بوتن رئيساً للبلاد، فقد وجدنا روساً يبيعون أسلحة روسية إلى الشيشانيين.
وقد تحول الجيش الروسي ليصبح فاسداً بصورة كبيرة وفي حالة مزرية حتى إن أفضل الجنود الروس قتلوا أو جرحوا أو دمرت آلياتهم على يد زملائهم.
الطيران عبر روسيا
وعن سبب تجنب المؤلف السفر الى مدينة نوريلسك بالطائرة يقول: إن الطيران عبر روسيا ليس خياراً سهلاً في أي مكان، حتى في ظل أفضل ظروف الطقس، فنوريلسك تبدو وكأنها المدينة التي تقع في أقصى شمال العالم من بين المدن التي يبلغ تعداد سكانها 200 ألف نسمة على الأقل، وأعتقد أن الجغرافيين سوف يوافقونني على ذلك.
وهي نائية بصورة غير عادية، أعتقد أنها تبعد على مسافة مائتي ميل شمال الدائرة القطبية الشمالية وبها مطار صغير للغاية.وتابع قائلاً : لقد طرت إلى روسيا عام 1991، وقد طرنا من هلسنكي إلى موسكو على طيران إيروفلوت، وعندما رجعنا عندما كنت أستقل الطائرة، كنت أنظر إلى الإطارات من داخل الطائرة وكان المطاط ممزقاً لدرجة أنني رأيت النسيج الأبيض بداخله.
وربما لا يصدق بعض الناس أن تلك كانت هي الحقيقة، ولكنها كانت كذلك، ولهذا السبب فإن هؤلاء الطيارين يمكن أن يهبطوا بتلك الطائرات الخفيفة مثل الريش.
ولكن السبب الحقيقي في أني لم أستقل طائرة إلى نوريلسك هو لأني أردت أن أستقل قارباً نهرياً لرحلتي إلى سيبيريا إلى مدينة كراسنويارسك ومنها إلى المدينة الساحلية دودينكا على بعد 2000 كم شمال نهر ينيسي، وهو واحد من أعظم الأنهار في العالم، وقد درست كثيراً عن مدينة نوريلسك، فقد قضيت فترة فيها وكنت أعلم تاريخها الذي بدأ في الثلاثينيات كواحدة من أهم مراكز الجولاج الروسية (والجولاج عبارة عن شبكة من معسكرات العمالة في الاتحاد السوفيتي السابق)، وسجون الأشغال الشاقة في حقبة ستالين، واكتسبت شهرة في ذلك الوقت في أثناء الحرب.والآن تشتهر بأنها واحدة من أكبر مراكز المعادن الثمينة في العالم، مثل النيكل والبالاديوم على وجه الخصوص.وأنا أعرف تاريخ الجولاج، ولكن ما أذهلني هو جمال وروعة الرحلة إلى هناك، فقد اعتقدت أنني سوف أذهب في مجرد جولة إلى الجولاج ، كما يسمونها في موسكو.وكنت أعتقد أن ذلك كان بمثابة فرصة كبيرة للكتابة عن أبناء وأحفاد ضحايا ستالين، والذين يتمتعون الآن بالحرية النسبية الجديدة والانفتاح، ويعودون إلى الأماكن التي مات فيها الآباء والأجداد.
وما وجدته في المقابل كان قارباً جميلاً، كان يسميه أحد الرفاق الذين سافرت معهم تيتانيك الصغيرة ، فقد كان قارباً يعود إلى عام 1953، وهو باخرة صغيرة بنيت في ألمانيا الشرقية، وكانت مملوءة بالفئران السيبيرية، كما كان هناك الكثير من الأطفال من أواسط سيبيريا كانوا ظرفاء للغاية كما كانوا مرتبطين بصورة غير عادية بالعالم الغربي.
رحلات تشيكوف
وحول محاولة المؤلف تتبع طريق السفر ذاته الذي اتبعه القاص الروسي الشهير أنطون تشيكوف من موسكو إلى فلاديفوستوك، وهو (الطريق الأطول والأكثر إرهاقاً ومللاً في العالم)، ، يقول :( تشيكوف معروف بكتابته للمسرحيات والقصص القصيرة، ولكن ربما من أغرب الأشياء التي فعلها كان سفره مستخدماً مختلف السيارات ووسائل النقل بطول روسيا كلها.
وربما كان أول كاتب يتطوع للذهاب إلى سيبيريا.
فقد كانت سيبيريا دوماً مكاناً للمنفى، وكانت منطقة محرمة، ومجمدة، ومهجورة، وهي مكان لا يمكن أن تذهب إليه وأنت حر الإرادة.
ولكن يتجادل النقاد الأدبيون حول السبب الحقيقي لذهاب تشيكوف هناك، فقد حظي ببعض النجاح في موسكو وسانت بطرسبرج، ولكنه حظي ببعض الانتقادات السيئة، وعندما قام بتلك الرحلة كان آنذاك قد بدأ في أن يسعل دماً، وقد مات بداء السل في سن مبكرة للغاية. وأضاف المؤلف قائلاً: أما ما قمت به فهو أن أعود إلى هناك وأن أمارس القراءة، وكان تشيكوف قد كتب كتاباً واقعياً أسماه جزيرة سخالين ، وكان أطول كتاباً يكتبه من حيث الطول، وتلك الجزيرة تقع على سواحل روسيا على المحيط الهادي وعلى الحدود الشمالية لليابان مباشرة، وهي جزيرة كبيرة، وتحت حكم القياصرة كانت معسكر اعتقال كبير، بالرغم من أنه لا يزال هناك بعض السكان.وقد ذهب تشيكوف إلى هناك لأنه أراد أن يشعر بأسوأ مشاعر النظام القيصري السابق، فقد كان طبيباً، وبالرغم من أنه لم يمارس الطب بصورة كبيرة على تلك الجزيرة، إلا أنه قام بجمع بعض المعلومات الإحصائية وحاول أن يدور حول السجون وكل مستعمرات المنفيين كما كانوا يسمونهم على تلك الجزيرة.
وكان هناك ما يقرب من 9500 سجن ومستعمرة، وقد وضع لكل واحدة منها بطاقة للتعريف، وعرضت بعد ذلك في أرشيف موسكو.
عظمة سانت بطرسبرج
وحول امكانية عودة روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي إلى عظمة وروعة سانت بطرسبرج، يقول المؤلف: بطرسبرج كانت مكان تم تجديده ليصبح عاصمة للثقافة الذهبية لروسيا.وبلا جدال هي من أجمل المدن التي زرتها في حياتي، وجمالها رغم ذلك كان يلفه كآبة غير عادية بسبب جمالها الزائل، فالواجهات منهارة إضافة إلى الزخارف الإيطالية والفرنسية الرائعة، والقصور على الطراز الفرنسي والحدائق والمنتزهات.
وتم بناء كل ذلك على أيدي بطرس الأكبر منذ 300 عام.
وقد بنيت المدينة على أنقاض مستنقع قديم، وأمر بطرس الأكبر الجيوش من الجنود والطبقات الدنيا بقطع الأخشاب من المقاطعات الشمالية الغربية لروسيا، وتم جمع أفضل المهندسين والمصممين الموجودين في أوروبا آنذاك، كما كان لديه تصميم وعزيمة لا تلين إضافة إلى قسوته.وهو بمعنى الكلمة رفع تلك المدينة من المستنقعات، ولا تزال تقف بجمالها الأسطوري ولكنه جمال جاف مسن.
* وحول ما يقال عن المخاطر التي قد يتعرض لها السائح اثناء زيارته الى مدينة سانت بطرسبرج، يقول: هجمات العصابات هناك كانت في الماضي فقط، ولكن الجميل بشأن تطور الجريمة المنظمة في روسيا هي أنها أصبحت أكثر تنظيماً بكثير عن الماضي.
وهي لم تنظم في السنوات الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وعندما عشت لأول مرة في موسكو واعتمدت على نفسي، وكان ذلك قبل نهاية الاتحاد السوفيتي مباشرة، كنت أنا و زوجتي الحالية نستأجر شقة صغيرة بغرفة واحدة في قلب العاصمة موسكو، قامت عصابة بتوقيفنا لمدة نصف ساعة، وأخذوا كل شيء، أخذوا أمواس الحلاقة والهاتف، وأخذوا متاعنا وحقائبنا.
وفي تلك الأيام أن تكون أجنبياً فأنت هدف، ويجب عليك دائماً أن تتحدث الروسية مع العامة، ولا يجب عليك مطلقاً أن ترتدي ثياباً غريبة عن المجتمع هناك.
وقد كان هناك غربيون ذهبوا إلى مدينة ما في سيبيريا ، ثم فجأة قرروا تأجير عربة مرسيدس، وهذا كان بمثابة ضوء ساطع بالنسبة للصوص المحليين.
ولكن الأمر تطور كثيراً منذ ذلك الحين، والآن تطورت الجريمة المنظمة كثيراً، وأصبحت أهداف أولئك اللصوص هم (الروس الجدد) كما يطلقون عليهم، وهم الروس الأغنياء الذين لديهم أموال أكثر بكثير من غالبية الأمريكيين الذين يعملون هناك.وحول الدور الذي لعبته اجادة المؤلف للغة الروسية ولقاءاته مع الكثير من رموز المجتمع الروسي في ظهور كتاب (الارض السوداء) يقول المؤلف: (قبل أن أذهب للعيش في روسيا، درست اللغة الروسية في جامعة أكسفورد، واعتقدت أنني أعرف اللغة آنذاك، ولكن كان ذلك هو أقصى ما تستطيع تعلمه في معامل اللغات، وعندما ذهبت للعيش في روسيا في أواخر الثمانينيات وفي أوائل التسعينيات، كان ذلك في أثناء سياسات (الجلاسنوست) و(البروسترويكا) لجورباتشوف، وكأمريكي فكل ما كان يجب علي أن أفعله هو أن أظهر في الحفلات ثم بعد ذلك أترك الحفلة ومعي أكثر من 15 رقم هاتف من أناس يريدون أن يرونني منازلهم، أو أن تذهب لمقابلة آبائهم أو أن تذهب إلى طبيبهم أو منزلهم الريفي.وقد كان وقتاً مدهشاً، وكان من الصعب في ذلك الجو ألا أتقن اللغة الروسية وأن أكوّن معلومات وصداقات في كل مكان.وكثير من الناس يقولون: ومن الذي يهتم بروسيا؟ فقد كان ذلك منذ عشر سنوات، فهي الآن دولة ديموقراطية وحرة، وجورباتشوف أصبح من الأخبار القديمة، دعونا نتحرك إلى الأمام.
والشيء المدهش هو ليس فقط قدرتي على كتابة ذلك الكتاب، ولكن أيضاً أن أعود ثانية إلى تلك البلاد وأن أرى أن الأمريكيين بالفعل يهتمون بروسيا.
وأنا أعتقد أن هناك شعوراً بين وكالات ومحطات الأخبار في نيويورك أنه قد حان الوقت لكي نتحرك إلى الأمام، فقد تغير العالم.وبالتأكيد قد تغير بعد أحداث 11 سبتمبر، ولكن روسيا كما اعتاد بوتن أن يقول كانت وستظل من أهم الدول على المسرح العالمي.
وتابع قائلا:( منذ ثلاثين عاماً غادر الشاعر جوزيف برودسكي موطنه ليننجراد تحت الضغوط من جهاز الاستخبارات الروسية (كي جي بي) وذهب للعيش في نيويورك.وكان رجلاً جاداً للغاية، ولا يؤيد أي تفاهات، وفي أحد المرات سمعته يتحدث في أحد اللقاءات الأدبية، فقام أحد الحضور بسؤاله: (سيد برودسكي، ربما هذا سؤال غبي، ولكن هل لا زلت ذلك الشاعر البارع؟)، وعندها رد عليه برودسكي سريعاً: ( إنه بالفعل سؤال غبي)، ولكنه عقب قائلاً:( إنكم أيها الأمريكيون يجب عليكم أن تفهموا الدوافع الخلاقة في نفس الروح التواقة والشجاعة والطموح للوصول إلى أقصى شيء يمكن الوصول إليه لدى شعبينا) ، وكان ما قاله هو أن أوروبا ربما يكون لها ثقافة عالية واستنارتها ونهضتها، ولكن الروس والأمريكيين يمتلكون الشجاعة.
وأنا لا أؤمن بتلك الأسطورة حول الروح الروسية، ولكن في أي مرة تتقابل فيها وجهاً لوجه مع روسي، حتى لو لم تكن تتحدث لغته، ستجد أن هناك تلك الرابطة، وذلك الانجذاب.و أردف مؤلف الكتاب الامريكي الجنسية قائلاً : طالما أن روسيا لدغتك مرة فلن تتركك تذهب مطلقاً، وقد اعتقدت أن تأليفي لذلك الكتاب يمكن أن يعطيني فرصة لكي أسافر إلى جنوب إفريقيا أو الصين أو أن أقضي وقتاً استكشف فيه القارات المختلفة، ولكني عدت إلى روسيا مرتين هذا العام في رحلة طويلة، وربما قد أعود إليها ثانية قريباً، وهو شيء لا يمكنك الهرب منه مطلقاً، وهو شيء جميل من ناحية، ولكن من ناحية أخرى فمن المؤكد أنه سيكون من الأفضل أن أتعلم وأن أجرب مكانًا آخر.

الكتاب:Black Earth: A Journey
through Russia after the Fall
المؤلفAndrew Meier :
الناشر:W.W.Norton & Company;
September 2, 2003


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved