تنهال الاتهامات على السلطة الفلسطينية بالعجز وعدم الفعالية بينما كل الحالة الفلسطينية بسلطتها وشعبها في حالة حصار لا يخلف إلا العجز، بينما تجد اسرائيل التي تتسبب في كامل الأزمة نفسها حرة، تقتل وتحاصر وتقيم الحواجز وفوق هذا وذاك تتمتع بحظوة لدى كبار المجتمع الدولي وتسمع ما يرضي غرورها وما يحط من قدر أعدائها من قِبَل ذات هؤلاء الكبار..
وفي هذا الإطار انطلقت الانتقادات من تيري لارسن مبعوث الأمم المتحدة مستهدفة عرفات واصفة إياه بعدم الفاعلية، بينما لارسن هو الأقرب معايشة لظروف المنطقة، ويعرف الضغوط التي يتعرض لها عرفات، كما يدرك الجهود التي تبذلها السلطة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وللسيطرة على أدوات النضال والكفاح في ظل عدو لا يهدأ ولا يكف عن الاعتداء على الشعب الفلسطيني.. يتحدث الفلسطينيون عن الاصلاحات ويتطلعون الى استعادة أرضهم وممارسة السيادة على ما يمكن أن يحصلوا عليه، لكنهم يجدون ان عليهم في كل مرة أن يكونوا مستعدين لممارسة هذه السيادة في مساحة اقل من الأرض لا تصلح أن يطلق عليها دولة، لأن المتطلبات الأمنية الإسرائيلية تتطلب المزيد من الأراضي الفلسطينية حتى يمكن الوفاء بكامل الأمن الإسرائيلي.. وبدلاً من أن يهبَّ العالم لمساندة الحق الفلسطيني وإدانة هذه القرصنة اليومية الإسرائيلية فضلا عن الاعتداءات التي لا تتوقف، فإن الفلسطينيين يجدون أن عليهم أن يبرروا لماذا لا يتجاوبون مع طروحات اسرائيل المبتسرة للسلام، ولماذا يرفضون جداراً يتغلغل في عمق أراضيهم بل وفي عمق كيانهم السياسي والانساني وينتهك حرمة أراضيهم..
المطلوب من الفلسطينيين هو أكثر من قدرة أي شعب على الاحتمال، ومع ذلك، ولأن المعايير في التعامل الدولي صارت تخضع لمنطق القوة والهيمنة فقد بات يتعين على الفلسطينيين ان يقبلوا بكل العنجهية الإسرائيلية وإلا اعتبروا في عداد المتشددين الذين يرفضون السلام ويتحدون منطق الكبار المنحازين للجبروت الإسرائيلي.. إنَّ قدراً من الموضوعية في الحكم على الأشياء يمكن أن يسهم في سلام راسخ وعادل، فقد قبل الفلسطينيون بالحد الأدني من الأرض والحقوق واظهروا استعدادا للتسوية بموجب خريطة الطريق التي تشرف عليها الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، غير أن إسرائيل لم تقبلها حتى الآن ، بل إنها استمرت في بناء الجدار العازل الذي يتناقض تماما مع موجبات تلك الخطة لأنه يتعمق في ذات الأراضي التي يفترض أن تقام عليها الدولة الفلسطينية التي هي جزء أساسي في خريطة الطريق..
ومع ذلك فإن الفلسطينيين هم الذين يتلقون اللوم والتجريح بينما إسرائيل تنعم بكامل الرضا، وتستغل كل ذلك لإنزال المزيد من القمع بالشعب الفلسطيني.
|