* بغداد - رويترز:
فتح سعدون الدليمي مظروفاً ليجد به شيئاً صلباً.. هدية مفزعة غير مرغوب فيها، لكن الأكاديميين العراقيين اعتادوا على ذلك.
قال الدليمي عن الخطاب الذي تلقاه الشهر الماضي (أرسلوا لي رصاصة). وأضاف (كتبوا بالعربية يقولون: حياتك لا تكلفنا سوى رصاصة فأغلق فمك). لقد علمت تهديدات القتل والاغتيالات الأكاديميين العراقيين أن يتوخوا الحذر فيما يقولون.
وتقول الحكومة العراقية المؤقتة الجديدة: إن 31 محاضراً جامعياً قتلوا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام الماضي على البلاد، وتلقى الكثيرون غيرهم تحذيرات بأن يلتزموا الصمت.
وفي حين تختلف الدوافع للقتل يرى الأكاديميون أن مناخ الخوف الذي تخلقه هذه الاغتيالات والتهديدات يهدّد بإسكات الأصوات المعتدلة المطلوبة لمساعدة العراق على إقرار الديمقراطية.
ويقول الدليمي أستاذ علم الاجتماع الذي عاد للعراق بعد الإطاحة بحكم صدام حسين بعد أن قضى 17 عاماً في المنفى: (المتطرفون لديهم خطط شريرة للغاية للسيطرة على العقول العراقية). وأضاف (لا نريد شخصيات أحادية التفكير، بل نحتاج إلى عقول مرنة للتعامل مع الوضع في العراق).
ويعتقد الدليمي أن التهديد الذي وصله أرسله متشددون أغضبتهم انتقادات وجهها على قناة الجزيرة التلفزيونية الفضائية للمتشددين في مدينة الفلوجة. واتهمت جماعات أخرى كذلك بالترويع.
ففي وقت سابق هذا العام انتقد عبد اللطيف المياح رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة المستنصرية في بغداد الموالين لصدام في حديث تلفزيوني. وقتل بالرصاص خارج منزله في اليوم التالي، واستخدم زملاؤه المزيد من حراس الأمن. ويقف الآن حارس شخصي قوي البنية يخبئ مسدساً تحت قميصه خارج مكتب أكاديمي بارز.
وفي عهد صدام كان المثقفون يعلمون أن عاقبة الانتقاد هي القتل، لكن القمع انتهى وانتهت معه حالة التيقن؛ فهذه الأيام قد تأتي الرصاصة من أي شخص.
وقال ضاري الياسين رئيس قسم الدراسات الأمريكية في كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد: (عندما نغادر منازلنا لا نكون واثقين من أننا سنعود إليها... ولا نعرف حتى سبب استهدافنا).
ويعتقد بعض الأكاديميين أن هناك اتجاهاً متعمداً لترويع الأكاديميين وإبعادهم عن العراق في محاولة (لاستنزاف العقول)؛ من شأنها تقويض مؤسسات البلاد، على الرغم من عدم وجود إجماع واضح على مَن قد يكون وراء هذه الخطة.
قال أكاديمي من جامعة الموصل في شمال العراق - حيث قتل خمسة محاضرين -: (أعتقد أن هناك حملة كبيرة لترويع وتصفية المثقفين والمتعلمين في البلاد). وأضاف (الحكومة المؤقتة يجب أن تتخذ إجراءات لوقف هذه الحملة الدموية). وليست هناك بيانات عن كم من المحاضرين العراقيين البالغ عددهم 17 ألف محاضر قد تركوا البلاد منذ سقوط صدام، لكن مسؤولين في قطاع التعليم يخشون أن ترتفع الأرقام إذا استمر الترويع.
وتقدر الحكومة أن 80 في المئة على الأقل من عمليات قتل الأكاديميين كانت لها دوافع سياسية، لكنها تقول: إن فرص القبض على الفاعلين ضئيلة.
وقال طاهر خلف جبر البكاء وزير التعليم العالي ل(رويترز): إنهم لم يتمكنوا حتى الآن من القبض على أي من القتلة. وأضاف أن ذلك يجعل من الصعب تحديد أي جماعة هي المسؤولة عن هذه العمليات، ولكن ليست كل العمليات تفوح منها رائحة المؤامرة؛ فبعض المحاضرين قتلوا في عمليات السطو المسلح التي انتشرت منذ سقوط صدام. وخطفت عصابات العديد من الأطباء وأطباء الأسنان طلباً للفدية، وفرّ آخرون للخارج، وكان للثأر دور كذلك.
كان العديد من أساتذة الجامعات أعضاء بارزين في حزب البعث الحاكم سابقاً؛ مما تركهم عرضة لهجمات من جانب أفراد ينتقمون من حكم صدام.
وقال البكاء: إن محمد الراوي رئيس جامعة بغداد السابق الذي كان طبيب صدام الخاص قتل العام الماضي في عملية ثأر من هذا النوع.
|