سعادة رئيس التحرير خالد المالك - سلمه الله
طرقت (الجزيرة) في أعدادها الماضية أخباراً عن القبول والتسجيل في الجامعات والكليات المنتشرة في المملكة.. وكما اعتدنا في كل عام أن مشكلة القبول تبقى كابوساً وهاجسا يعايشه الآباء والأمهات والأبناء، وتذهب الإجازة دون أن يتمتعوا بها، ويتنفسوا من عناء العمل طيلة عام كامل.. هاتفت قريبة لي أهنئها بنجاح أحد أبنائها في المرحلة الثانوية وحصوله على تقدير عال، لكنها فاجأتني بقولها: يا ليته لم ينجح، فقلت لها مندهشاً: ما هكذا تتمنى الأم لابنها، فلماذا لا تفرحين بنجاح ابنك؟ فقالت: والله ليس الكره والبغض لابني لكن المصير المجهول، ابني سينتقل إلى منطقة من المناطق الأخرى وأنا لا أستطيع أن يغيب عني ساعة، فكيف بأيام وشهور؟ فقلت: وسائل الاتصال والمواصلات ميسرة ومتوافرة؛ فكثير من الأبناء ذهبوا خارج حائل، فقالت: الأوضاع تختلف الآن عن السابق؛ ألم تسمع عن الانحرافات الخلقية والسلوكية وشلل (الدشارة) وأصدقاء السوء والفساد؟ وأضافت: ألم تعلم أن المرحلة العمرية لا تؤهلهم لأن يعتمدوا على أنفسهم ويعرفوا الصالح من الطالح والنافع من الضار، وزادت في كلامها: ألم تسمع عن قصص الشباب التي يشيب من هولها الرأس، ضاعوا لما ابتعدوا عن أهلهم وذويهم؛ فشلوا دراسياً وأخلاقياً وسلوكياً.. فهذا هو السر في عدم فرحي بنجاح ابني..
فقلت: إذاً ما الحل؟ قالت: الحل بسيط، هو وجود جامعة في حائل، كما هو الحال في باقي مناطق المملكة، والدولة لم تقصر ولديها من الإمكانات المادية التي تجعلها قادرة على فتح المزيد من الجامعات، فنحن أمهات لنا مشاعر وأحاسيس؛ تتفطر قلوبنا وتسيل دموعنا عندما نعانق ونودع أبناءنا، وكأنه الوداع الأخير - قالتها وهي تسكب العبرات وصعب عليها مواصلة الكلام - حاولت جاهدا أن أخفف مما تعانيه، وقلت: إن خبر جامعة حائل سوف يزف في القريب العاجل. قالتك نحن لا نعيش على أحلام ووعود؛ فلقد مللنا مثل هذه الأخبار؛ فقد وعدنا منذ عشرات السنين، لكن لم نر شيئاً.. أنهيت المكالمة من طرفي حتى لا أزيد في جراحها وآلامها.
هذا الموقف المحزن والمبكي هو واقع وحقيقي جعلني أستعين بقلمي لأكتب عن معاناة الآلاف من الأمهات الحائليات اللاتي يذرفن الدموع كل عام على فراق أبنائهن والتوجه إلى مناطق أخرى، والبعض منهن ودعت ابنها وداعاً أخيراً، وهذه إحصائية نشرتها (الجزيرة) في عددها الصادر برقم (11464) في 26 - 12 - 1424هـ يقول أحد الباحثين في الشؤون الاجتماعية: (إن أكثر الأمهات اللائي لديهن معاناة من جراء فقد وابتعاد أبنائهن عنهن يوجد في منطقة حائل كأعلى نسبة بين مناطق المملكة) وهذا هو الصحيح فالتعليم الجامعي في منطقة حائل مفقود تماماً والموجود بها الآن هو شبه تعليم جامعي ولا يحقق طموحات الأهالي ورغبات أبنائهم. ولقد وعدنا الوعود وما زالت الوعود مستمرة، وزدنا في الطلب حتى خجلنا من كثرة ترديده.. لكننا نتأثر ونتألم عندما نسمع تلك المعاناة من أفواه الآباء والأمهات قبل الأبناء، حتى وصل الأمر أن البعض منهم لا يفرح بنجاح ابنه في الثانوية العامة للأسباب آنفة الذكر. وهنا نتساءل: من المسؤول عن حرمان أبناء لهم طموحات وأحلام؟!
أعتقد أن المسؤولية تتحملها وزارة التعليم العالي بحكم أنها الجهة المنوط بها تأهل أبناء المنطقة مساواة بغيرها من المناطق الأخرى.. ولكن نتعشم من أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن أن يحل هذه المعضلة التي أصبحت هاجس المنطقة، فهل يصبح الحلم واقعاً والواقع حقيقة؟
ناصر بن عبد العزيز الرابح/حائل |