السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت ما كتبه سعادة الدكتور حسن بن فهد الهويمل (رئيس نادي القصيم الأدبي) في العدد (11597) بعنوان (جامعة القصيم .. إياك أعني واسمعي يا جارة) ولقد سمعتْ بهذا المقال القصيمُ.. وسمعت الجارة.. وجاء رائعاً متميزاً كروعة الدكتور فهد.. وخاصة حديثه عن مواكبة التقنية.. والمكتبة.. وعمادة البحث العلمي للجامعة وها قد تحقق الحلم.. وحصل المستحيل.. وصارت (الجامعة الحلم) حقيقة على أرض الواقع بجهود رجال مخلصين.. وصدر القرار مؤخراً بتعيين مدير لهذه الجامعة وقد نتجت هذه الجامعة عن دمج فرعي جامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الملك سعود في جامعة واحدة باسم (جامعة القصيم)..ولكن كل الخوف هو أن تكون هذه (تسمية فقط) و(دمجاً بالاسم) دون أي إجراءات عملية للتطوير وزيادة الإسكانات.. إن الدمج جاء لفرعين لجامعتين مختلفين في الاسم وفي المنهج ولا بد من المواءمة بين هذين المنهجين.. حتى لا يتذمر أحد الفرعين بهذا الاجراء ومهما يكن من أمر فإن ما حصل هو حلم طالما ترقبه أبناء هذه المنطقة بدءاً بأميرها الذي تابع وناقش منذ البداية وانتهاء بأصغر موظف في هذه الجامعة لقد كان هذا الحلم يداعب هذه المنطقة الخضراء اليانعة البساتين.. في كل صباح تشرق فيه الشمس على بساتين النخيل وكثبان الرمال الحمراء المزدانة بشجيرات الغضا.. يكبر الحلم وينمو .. بين مدن القصيم وقراه وهجره وواديها العظيم (وادي الرمة) .. ويشرق الحلم مع خيوط أشعة الشمس الذهبية التي تعانق جدران الطين القديمة والمشربيات العتاق في حارات المدن ويعانق المآذن والمجمعات التجارية الضخمة التي تمثل النقلة النوعية في حياة هذه المنطقة التي عرف أبناؤها بالكفاح.. حتى عانقوا النجوم وقهروا المستحيل.. بدءاً بالعقيلات الذين جابوا صحاري هذه الجزيرة في حرها وقرها.. رجال عرفتهم أصقع الدنيا مكافحين ومجالدين للصعاب.. لا يرد طموحهم شيء.. أمانيهم كالبحار المزبدة وكالأنهار الجارية.. وكالأودية العظيمة.. إنهم رجال كفاح وصبر
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم.. |
واليوم تحقق حلمهم على رمال القصيم وبين بساتينه وأوديته.. هذا الحلم الذي داعب أجفان أهالي المنطقة.. وداعب سنابل القمح الذهبية على ضفاف وادي الرمة.. وداعب قنوان النخل وهي تحمر وتصفر على ضفاف الكثبان الذهبية.. بل حتى الطيور وهي تغرد في رياض القصيم وجداول بساتين داعبها هذا الحلم.. واليوم تغرد الطيور فوق (جامعة القصيم)..تغرد وهي أقوى تغريداً.. ويحلم الأهالي وهم أكثر حلماً.. وتشمخ قامات النخل فتغدو أكثر شموخاً.. وتغدو الحقول أكثر خضرة والمياه أكثر عذوبة والشباب أكثر طموحاً لتحقيق درجات علمية عالية.
إن هذه الجامعة يجب أن تصطبغ بالصيغة العلمية (القصيمية) التي تختلط بإبداعات أهالي القصيم وطموحاتهم وتطلعاتهم.. يجب أن تختط منهجاً علمياً مميزاً إضافة إلى (المسمى) الذي يجب أن لا يقف الطموح عنده.. إنني أتحدث باسم أهالي القصيم عما يلي:
أولاً: وضع منهجية علمية تخصصية لهذه الجامعة... أي أن المسمى لا يكفي لكي يكون لدينا جامعة.. هذه الجامعة أصبحت ذات شخصية مستقلة ويجب أن تضع برنامجاً علمياً لتطوير تخصصاتها وأقسامها بمنهج علمي متميز يعتمد على:
أ - دراسة حاجة سوق العمل من المختصين.
ب - التدريب الميداني الذي يجب أن يأخذ نسبة لا تقل عن 70% من مناهج الدراسة التي هي مع الأسف حشو وترديد لنظريات وضعها المنظرون في بلاد غير بلادنا.. ونحفظها بشكل لا يناسبنا ولا يناسب بيئتنا.. إن التدريب هو النقطة الأساسية التي تربط سوق العمل مع حاجة السوق.. فليس من المنطق أن يتم إنشاء قسم بإحدى كليات الجامعة ليس له طلب بسوق العمل بالمنطقة.. بل إن الطلب ذاته في سوق المنطقة لا بد من دراسته دراسة مستفيضة ومعرفة الحاجة الفعلية له والتي هي ذات مردود للاقتصاد الوطني أم لا..
إن وضع برنامج علمي لهذه الجامعة وخطة منهجية مدروسة هي شيء أساسي ولا بد منه بحيث يتم الحفاظ على قوة المنهج العلمي الشرعي لفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والتي يتخرج منها طلاب على مستوى علمي متميز في فهم الشريعة ومقاصدها وتطبيق أحكامها مع حفظهم للقرآن الكريم الذي هو أساس الحياة البشرية في التنظيم بمختلف مجالات حياتها.. وبحيث يتم الاستفادة من هؤلاء الخريجين في التعليم وفي الوعظ والإرشاد في القرى والهجر.. كما يجب وضع منهج علمي متميز للكليات العلمية التي كانت من ضمن فرع جامعة الملك سعود.. وأرى أن يتم الاستعانة بالمنهج العلمي لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن والذي هو منهج متميز.. وخصوصاً في مجالات الهندسة التطبيقية.
إن كلية الهندسة التي تم افتتاحها وكذلك كلية الطب تستقطبان طلاباً من المتفوقين في الثانوية العامة على مستوى المملكة وهؤلاء لا شك أنهم من خيرة الطلاب الذين يجب أن يكونوا هم الأساس والعماد والوقود الذي تنزل به هذه الجامعة الوليدة إلى السوق.
ثانياً: افتتاح كلية للدراسات العليا والبحث العلمي
إن الدراسات العليا هي الغرض الذي تنشأ من أجله الجامعات وهي تطبيقية أكثر من الدراسات المنهجية حيث إن الدراسة العليا هي بحث علمي تطبيقي على ظاهرة من الظواهر السائدة في المنطقة وغالباً ما تمول هذه الدراسة من الجامعة نفسها حيث المعامل والمختبرات والمكتبة التي تمكن الباحث من إتمام بحثه فيها.. ولكن يبدو أن فرع الجامعة بالقصيم (السابق) لم تتوفر به شروط البحث العلمي نظراً لقلة الإمكانات والدعم المادي كذلك.
وعلى هذا يجب افتتاح كلية للدراسات العليا وخصوصاً مجال الدراسات الهندسية حيث إن معظم الطلاب الذين تخرجوا من جامعات المملكة ارتبطوا بأعمال لهم بالقصيم وبالتالي لم يتمكنوا من إكمال دراساتهم العليا في الماجستير والدكتوراه في جامعات بعيدة عن أماكن عملهم.. وفي افتتاح كلية للدراسات العليا تمكين لهؤلاء من إكمال دراساتهم مع بقائهم على رأس أعمالهم.. وهؤلاء الطلاب كثر وأثق أن ما لا يقل عن 30% من طلاب الكليات العلمية في جامعات المملكة هم من منطقة القصيم وخاصة جامعة الملك سعود بالرياض.
إن الدراسة العليا هي بحث تطبيقي يفيد المنطقة، منطقة القصيم هي تطوير للعمل الفني في المنطقة ومثل هذه البحوث هي حل لمشاكل تواجه الجهات الحكومية وبوجود هذه الكلية خدمة لهذه الجهات واختصار للإنفاق المالي المتزايد بسبب وجود مشاكل لم يوجد لها حل عملي علمي.
ثالثاً: يجب تأسيس مكتبة ضخمة في مبنى الجامعة لخدمة الباحثين والطلاب والدارسين وأبناء المنطقة.. ويجب أن تزود هذه المكتبة يومياً بالإصدارات الحديثة من الكتب في مختلف التخصصات فالمكتبة تعتبر القلب النابض للجامعة وهي المزود العلمي والثقافي لها..وجامعة بدون مكتبة هي كالجسم بدون روح.. ولعل من العجيب أنني راجعت مكتبة فرع (جامعة الملك سعود) لاستعارة أحد الكتب.. فقال لي عميد الكلية بالحرف الواحد إن الأنظمة واللوائح تمنع ذلك.. !! فتعجبت من هذا القول وهذا الإجحاف وهذا الظلم الذي أبقى الكتب في هذه المكتبة يعلوها الغبار وتعشش فوقها العناكب.. يجب أن يصاحب إيجاد هذه المكتبة إيجاد نظام لاستفادة المجتمع وطبقات الباحثين منها.. وتزويدها بالدوريات التي تصدر في المملكة وغيرها والنشرات والمجلات العلمية المحكمة.. وإيجاد قسم لإصدارات البرامج الكمبيوترية بها لمواكبة التطور التقني الحديث.
بل ومن الأعجب والأغرب أن مكتبة جامعة الملك سعود المركزية ظلت على الكتب الموجودة بها منذ عشرات السنين ولم يتم تزويدها بأي جديد.. تراجعها هذه السنة والسنة المقبلة والتي بعدها أو بعد خمس سنوات أو عشر سنوات فإن الكتب هي هي.. كتب ذات أوراق قديمة متمزقة في أكثرها .. بل والأدهى من ذلك الدوريات.. هي دوريات صدرت منذ سنوات ولم يتم تزويد المكتبة بأي جديد.. وأتمنى أن لا يتكرر ذلك مع مكتبة (جامعة القصيم) حيث إن الخسارة على المبنى لا فائدة من ورائها إذا لم يتم تزويدها بالجديد من الكتب.
رابعاً: يجب إضافة كلية لعلوم الحاسب الآلي والمعلومات
حيث إن عصرنا عصر الحاسب والتقنية والحكومة الإلكترونية وجامعة بدون كلية للحاسب وتعلم العلوم الحديثة هي جامعة في آخر الركب ويجب أن تتم المبادرة فوراً إلى افتتاح هذه الكلية.. أما سوق العمل فإنه بأشد الحاجة لمهندسي الحاسب ونظم المعلومات.. ومثل هذه الكلية ستكون نبراساً للمنطقة لتطوير العمليات التقنية والفنية في الدوائر الحكومية وتكون بيت خبرة لتطوير العمل الإداري والفني في المنطقة والارتقاء إلى الأعلى كما أنه من الواجب إضافة دروس في البرمجة بالحاسب الآلي لكل قسم من اقسام كلية الهندسة حيث إن المهندس لا بد أن يتخرج من الكلية ولديه الإلمام التام ببرامج الحاسب الآلي ونظم المعلومات.
كما أنه من الأفضل اضافة قسم لكلية الهندسة بمسمى (القصيم والتخطيط العمراني) حيث إن المنطقة بحاجة ماسة إلى متخصصين في التخطيط وكذلك ضرورة وجود جهة استشارية علمية بالمنطقة تساهم في تقديم الخبرة والمشورة للجهات المسؤولة.
أثق أن هذه الملاحظات ستجد الاهتمام من معالي مدير الجامعة الدكتور خالد الحمودي الذي عرف بتفانيه لخدمة بلده.
خامساً: بعد كل هذا يجب تطوير مبنى (فرع جامعة الملك سعود سابقاً) ليكون مقر مركز بالجامعة في القصيم.. وزيادة مبانيه لاستيعاب الكليات الحديثة المنشأة فيه والتي ستنشأ مستقبلاً.. فكلية العلوم مثلا ليس لها مبنى وكلية الطب ليس لها مبنى أو مختبرات وكذلك كلية الهندسة ليس لها مبنى أو مختبرات كافية.. لا شك أن المبنى الحديث المجهز بالمختبرات والقاعات الواسعة المزودة بالمقاعد المريحة والوسائل التعليمية الحديثة التي تعتمد على الكمبيوتر ووسائل الاتصال هي من أهم الأسباب لنجاح العملية التعليمية.. كما أنه من الأهم إيجاد الخدمات المساندة لهذا المبنى مثل سكن الطلاب المريح الذي يجب أن يكون بأسعار رمزية بدلاً من أن يكون الطلاب القادمون من خارج المنطقة ومن المناطق المجاورة للقصيم التي لا يوجد بها جامعات أو الذين أجبرتهم ظروف القبول للتوجه لجامعة القصيم.. يجب أن يوفر لهم سكن مريح حيث لا يتوفر أي إسكان للجامعة حالياً ويخضع الطلاب لاستغلال أصحاب الشقق ومكافآتهم لا تكفي لتغطية تكاليف السكن كما يجب توفير مبنى حديث ومجهز لأعضاء هيئة التدريس حيث إن عضو هيئة التدريس هو العنصر الرئيسي في العملية التعليمية ويجب توفير سكن مجهز ومريح لهؤلاء حتى يؤدوا العملية التعليمية على الوجه الأكمل.. والأهم قبل ذلك كله هو صيانة وتشغيل مبنى الجامعة الذي يجب أن يتم إيلاؤه لشركة متخصصة ومتميزة في الصيانة والتشغيل وكذلك تشغيل المطاعم وتزويدها بالوجبات الصحية..
وأثق باهتمام المسؤول الأول في المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز وأعضاء مجلس منطقة القصيم وكذلك معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري ومعالي مدير الجامعة الدكتور خالد الحمودي.
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني/البدائع |