* عمان - الجزيرة - خاص:
قال مستثمرون ورجال أعمال محليون إن قرارات وإجراءات حكومية ما تزال تشكل عوامل طرد للاستثمارات، موضحين أن عدم وضوح وثبات السياسات الاستثمارية يعد عاملاً يعزز هجرة بعض هذه الاستثمارات.
وأكَّدوا أن تثبيت الاستثمارات لا يقل أهمية عن استقطابها، مبينين أن توفر القوانين والتشريعات غير كاف للإبقاء عليها، ولا بد من تثقيف الموظفين بأهمية العمل بروح القوانين وعدم الالتزام الحرفي بنصوصها لفعاليتها في دعم الاقتصاد الوطني ومساهمتها في توفير فرص العمل.
ودعوا إلى تركيز أكبر للحفاظ على الاستثمارات القائمة ومعرفة احتياجات المستثمرين بالتواصل والحوار بين متخذي القرارات وأصحاب الاستثمارات حول التغييرات التي تعتزم الحكومة إجراءها، لافتين إلى الآثار السلبية التي يتركها خروج المستثمرين من الأردن على فعالية البيئة والمناخ الاستثماري في المملكة الأردنية إلى جانب الآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية.
وقال عضو غرفة تجارة عمان الدكتور هاني الخليلي ل(الجزيرة): إن بعض القرارات والاجراءات الحكومية البسيطة تضر بالاستثمار بشكل كلي وتؤدي إلى هروب المستثمرين، مؤكداً أن ظهور وانتشار المشاكل الصغيرة يؤثِّر على سمعة البيئة الاستثمارية التي تسعى جميع الجهات الحكومية والخاصة على تحسينها في الخارج.
وأكد أهمية استمرار الحوار بين أصحاب الاستثمارات القائمة والجهات صاحبة القرار وخصوصا أن العلاقة بينهما ليست تنافسية، بل تكاملية وهناك مصالح متبادلة تجمع الطرفين، موضحاً أن التعامل مع المستثمر يبدأ بمجرد دخوله للمطار وينتهي بقيام المشروع والمباشرة بالانتاج، وبيَّن أن على الجهات الحكومية الالتزام بجميع المعطيات الأساسية التي يقوم عليها أي مشروع مجدٍ اقتصادياً وأن يكون الحوار عماد أي تغيير يطرأ عليها للوصول إلى حلول وسط.
وطالب الجهات الرسمية بالابتعاد عن القرارات التعسفية وفرض الإجراءات على المستثمرين بالقوة، لافتاً إلى أن الاستثمار يبحث عن الربح ولولا الجدوى الاقتصادية لما أقدم أي صاحب مال على الاستثمار.
وقال د.الخليلي إن المشاكل تظهر من خلال احتكاك المستثمر وتعامله المباشر مع الدوائر الحكومية وبسبب ضعف تثقيف الموظفين بأهمية الاستثمارات الاجنبية في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص العمل وتحقيق التنمية، مشيراً إلى أن الأردن خطا خطوات كبيرة في تغيير البيئة التشريعية إلا أن سرعة تغير القوانين فاقت سرعة فهم وتعامل الموظف مع هذه الاجراءات.
أما أمين صندوق جمعية حماية المستثمر المهندس منتصر الحمصي فقال: (إن جميع الأطراف في الدولة تعمل على جلب الاستثمارات إلى الأردن ولكن لا يوجد جهة رسمية تحافظ على الاستثمارات القائمة على أرض الواقع).
ودعا الحكومة إلى المحافظة على صغار المستثمرين لأن نسبتهم تشكل الشريحة الأكبر مما يوجب رعايتهم وحل مشاكلهم حتى يتطوروا وإلا فإن من السهل نقل استثماراتهم إلى بلد آخر حيث الفرص والتشجيع. وبلغ حجم المشاريع الجديدة التي تقدمت للاستفادة من قانون تشجيع الاستثمار خلال العام الحالي وحتى نيسان الماضي نحو 146.2 مليون دينار فيما كانت خلال العام الماضي وفي ذات الفترة حوالي 109.8 مليون دينار.
وأضاف المهندس الحمصي أن وجود الأنظمة والقوانين التي تجعل من الأردن بلدا جاذبا للاستثمارت موجودة وأن أسلوب التطبيق والعمل بها أمر مختلف تماما حيث تجد أن منفذيها من غير الدرجات العليا يضعون العراقيل أمام الاجراءات التي تسهل عمل المستثمرين، فمثلاً هناك تعقيدات جمركية في الوارد والصادر والضريبة وفي خط التماس الأول بين المستثمر والحكومة والتي توصف عادة بالصعبة، فالمستثمر متهم حتى تثبت براءته في القضايا الجمركية وإن لم يكن المسبب للمشكلة.
ولفت إلى أن الإعفاءات الجمركية على مدخلات الإنتاج هي الأساس في الاستثمار الصناعي المحلي في حين أن البضائع المستوردة معفاة من الجمارك فيما تخضع لها بعض مدخلات الإنتاج الأردني. ورأى عميد كلية عمان الجامعية للعلوم المصرفية الدكتور موسى اللوزي أن عدم وضوح السياسات الاستثمارية وعدم ثباتها يؤديان إلى هروب المستثمرين، مؤكداً أنها سياسات غير قائمة على دراسات دقيقة وخصوصاً أن الاجراءات غير متواءمة مع القوانين وتضع التعقيدات والمعيقات أمام المستثمرين.
وأضاف أن تعقيد الإجراءات والروتين الإداري في الدوائر الرسمية يسبب هروب المستثمر، مبيناً أن الابتعاد على الاستثمارات القائمة لا يقل أهميته عن استقطاب الاستثمارات.
ودعا د. اللوزي إلى إعادة النظر في الإجراءات الحكومية والسياسات الاستثمارية لتمكين الاستثمارات التي توفر فرص العمل وتشكل دعامة للاقتصاد الوطني، وخصوصاً أن 46.4% من العاملين في الأردن يعملون في القطاع الخاص فيما يوفر القطاع العام وظائف نسبة 35.4% من إجمالي العاملين.
ومن جانبه يقول رئيس هيئة المديرين في الشركة العربية الدولية للتنمية الزراعية محمد سميح بركات إن بعض الاجراءات الحكومية قد تكون عاملاً طارداً للاستثمارات القائمة خصوصاً عندما تكون القرارات الصادرة عن الجهات الرسمية فردية وبعيدة عن الحوار.
وأوضح بركات أن بعض القرارات الحكومية غير مدروسة بعمق ولا تأخذ بعين الاعتبار جميع ايجابيات الاستثمار مثل توفير فرص العمل والحفاظ على العملة الصعبة داخل الأردن وتوفير منتجات محلية وتنمية المجتمعات المحلية وتركز على كيفية تحصيل ايرادات من خلال هذه المشاريع مما يضر بصورة وسمعة البيئة الاستثمارية في الأردن ويجعل المستثمر يتردد قبل استثمار أمواله داخل المملكة الأردنية. وبيَّن أن خروج الاستثمارات إلى جاب انعكاسه على مناخ الاستثمار يؤدي إلى مشكلات اجتماعية وتنموية ويؤخر دفع عجلة النمو.
وضرب سميح مثلاً على الدور السلبي الذي تلعبه بعض الإجراءات الحكومية في تنفير المستثمرين من العمل داخل الأردن كالحالة التي تمر بها شركات الجنوب الزراعية الاستثمارية التي تهدد بإغلاق استثماراتها والخروج من المملكة للعمل في أماكن أخرى توفر لها امتيازات أفضل.
وقال إن حال هذه الشركات يقدم نموذجاً حقيقياً عن بعض الإجراءات الحكومية التي تركِّز على توفير الإيرادات أكثر من الحفاظ على الاستثمارات بغض النظر عن كل السلبيات الناجمة عنها، إضافة إلى أن هذه القرارات لا تأخذ في الحسبان كل الإيجابيات التي توفرها هذه المشاريع من توفير نحو (400) فرصة عمل باستثمارات مقدارها (18) مليون دينار في حين أن إنهاء عمل الشركات سيضطر الأردن لاستيراد حاجته من البصل والبطاطا التي توفر منها هذه الشركات حوالي (70%) من احتياجات السوق المحلية من البطاطا و(50%) من البصل وخروج عملة صعبة من الأردن مقابل الاستيراد بقيمة تبلغ عشرة أمثال الإيراد المترتب على الشركات دفعة بدل أثمان مياه بقيمة 3 ملايين دينار وهو ما يفوق حجم أرباح هذه الشركات، ويقود إلى خسارتها وإغلاق الخاسر منها.
يذكر أن هذه الشركات تأسست عام 1986 بهدف الاستثمار في المجال الزراعي واستغلال مياه الديسي المشترك بين الأردن والسعودية، حيث استأجرت هذه الشركات مساحات من الأراضي ضمن عقود موقَّعة مع الحكومة لمدة 25 سنة مضى منها 18 سنة.
وأوضح بركات أن الشركات ملتزمة بسحب المياه ضمن الكميات المحددة لها، لافتاً إلى أن عدد الآبار في السعودية تسحب من نفس الحوض المائي يزيد عن (2500) بئر وسحبها السنوي لا يقل عن (25000) مليون متر مكعب، بينما لا يزيد عددها في الأردن عن (50) بئراً ويقع (98%) من الحوض المائي في الأراضي السعودية.
وبيَّن أن البعد عن الحوار في حل قضايا المستثمرين يوصلهم لباب مغلق يضطرهم لإغلاق الاستثمار، مؤكداً أن رأس المال ليس جباناً إلا أنه يسعى للربح لا للخسارة.
|