إعادة ترتيب البيت العراقي

تبرز حاجة ماسَّة لترسيخ نوع من التوافق على الساحة العراقية من خلال إفساح المجال لحوار عقلاني يستطيع بلورة الآمال العريضة والتوق الشديد لإزالة الصورة التي تشوِّه وجه العراق حاليا، والمرسومة في غالبها بلون الدم، فالعراق الذي يسعى لحكمٍ وطنيٍّ كاملٍ قائمٍ على الديموقراطية عليه أن يمهِّد لهذه النَّقلة المهمة بإزالة الإبهام والغموض حول الذين يتحركون في الظلام، ويخطفون في الظلام، وكذلك يذبحون، وكلُّ ذلك باسم الشعب العراقي.. والأمر، في مجمله، يقود إلى فوضى وإلى ظهور بؤر شاذّة على الجسد العراقي، وإلى إشاعة روح العصابات في مجتمع هو أبعد ما يكون عن ذلك، فالتهديدات التي كانت تستهدف بصفة عامة قوات الاحتلال شملت أيضاً المواطنين وقوات الشرطة وهي تتطور الآن إلى تهديدات متبادلة بين القوى المسلحة، وقد نرى قريباً بنادق الجماعات المسلحة المتنافسة وقد توجَّهت إلى بعضها البعض، فهناك من يتوعَّد بتصفية من يسمى الزرقاوي ، وبدت الانقسامات تظهر بين هؤلاء الأشباح الذين لا يمكن وصف الكثيرين منهم إلاّ باعتبارهم أشباحاً تتحرك في الظلام.. والنتيجة تشويه كبير للمقاومة الحقيقية العراقية المشروعة عندما كانت القوات الدولية قوات احتلال، وبينما يرى العراقيون الآن أنّ الاحتلال قد تحوَّل إلى قوة متعددة الجنسيات، فإنّ آخرين يرون أنه مستمر .. وفي كلِّ الأحوال فإنّ الفظائع التي ترتكب خارج السِّياق المتعارف عليه للصراع هي التي تشوِّه كامل المشهد العراقي.
يبقى أنّ الأمر يحتاج إلى أدوات وإجراءات بأسنان قوية لاجتثاث هذه البؤر المشوِّهة للجسد العراقي والتي حوّلت البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، ولكيلا تتفاقم الأوضاع إلى حالة أكثر صعوبة مما هي عليه الآن، على طريقة المافيا، فإنه ينبغي الإقرار بأنه من الصعب على الحكومة العراقية وحدها التصدي لهذه التشوهات الكثيرة.
العراقيون، إذن، مطالبون بعمل منظَّم من خلال الهيئات التي تمثلهم سواءً الحزبية أو الطائفية للتوافق على خطوط عريضة تحدد مواطن الخلل وتضع مقومات مواجهة هذه الأوضاع الشاذة، فالعمل العراقي المؤسسي سواءً على صعيد التنظيمات السياسية، أو الأجهزة الحكومية مطلوب الآن قبل غدٍ وهو ليس أمراً يتصل فقط باقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي أوائل العام المقبل، بل إنه يحتاج قبل ذلك إلى أن يقدم نفسه للجماهير من خلال طرحه لمواجهة ما قائم من مشكلات، وهو بذلك يمكن أن يرسي ملامح الديموقراطية التي يسعى إليها العراق على أُسس قوية، خصوصاً وأنّ كامل التجربة جديدة على الساحة العراقية، وإن لم تكن غريبة على النفسية العراقية التي تتميّز بالانفتاح والوعي السياسي والحضاري ما يجعلها في توافق مع كل المبادئ والتطبيبقات السياسية التي تعلي من شأن الإنسان وتحتفي بعطائه المجتمعي المفيد.