سئل المغيرة بن شعبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: كان - والله - أفضلَ من أن يَخْدَع، وأعقلَ من أنْ يُخدع، وهو القائل: لستُ بخَبٍّ، والخَبُّ لا يخدعني.
ونقول: ما أحوجنا إلى تربية ترقى بنفوسنا ونفوس أجيالنا وعلمائنا، ومثقفينا إلى هذا المستوى العظيم.
قال زياد بن أبي سفيان، القائد الشهير: ليس العاقل الذي إذا وقع في الأمر احتال له، ولكنَّ العاقل يحتال للأمر حتى لا يقع فيه.
وفي كلام زيادٍ هذا من الحكمة التي صنعتها التجارب، وصقلتها المواقف والأحداث ما يستحق منا الوقوف عنده للتأمل والتطبيق، ولقد تذكَّرتُ قوله هذا في أكثر من موقفٍ، وأدركت أهميته.
تقول عائشة رضي الله عنها: كانت تنزل علينا الآية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحفظ حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، قبل أن نحفظها.
ونقول: هذا منهج عظيم لا تقوم الأمم إلاَّ به، فالقضية ليست كلاماً يُحْفَظُ ويردَّد، ولكنها قولٌ يُطبَّق في واقع الحياة، ولهذا وصفت عائشة رضي الله عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقولها: كان خلقه القرآن.
قال عليٌّ رضي الله عنه: لا راحةَ لحسود، ولا إِخاء لمَلُول، ولا مُحِبَّ لسيِّئ الخلق.
قال معاوية رضي الله عنه: كل الناس أستطيع أنْ أرضيهم إلا الحاسد، فإنه لا يُرضيه إلا زوال النعمة على المحسود.
قال الحسن البصري: ما رأيت ظالماً أَشْبهَ بمظلومٍ من حاسد - فهو لا يُريح ولا يستريح -، نَفَسٌ دائم، وحُزْنٌ لازم، وغَمٌّ لا ينفد.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تُعادُوا نِعمَ اللهِ عزَّ وجل، قِيل له: ومن الذي يُعادي نِعَمَ الله، قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم اللهُ من فضله.
وهذه الأقوال حول آفة الحسد غَيْضٌ من فَيْض من الحِكم والأمثال، والتجارب والقصص التي تُرْوَى عن المصابين بمرض الحسد الخطير.
وإني أذكر موقفاً لرجلٍ مثقَّف كان كثيرَ النقد لرجلٍ آخر، فلما رأيته بالغ في ذلك في أكثر من مجلس، جلست معه ذاتَ يوم وقلت له فيما بيني وبينه: أراك كثير الإساءة إلى فلان، كثير النقد له، مبالغاً في ذلك، مع أنك تجانب الحقَّ في كثير مما تقول، فما كاد يسمع ما قلت حتى تغيَّر لون وجهه وبدا عليه التأثر الشديد وقال: صدقني أنك بكلامك هذا قد أيقظتني من سباتٍ عميق، قلت له: أيّ سباتٍ تعني؟
قال: والله ما كنت أذكر ما أذكر عن فلان إلا حَسَداً، وإني لأشعر بمثل النار في قلبي نحوه أحاول أن أخفِّف منها بما أقول عنه، قلت: وهل يخفِّف حديثك عنه من تلك النار التي تشعر بها؟ قال: كلا والله بل أشعر بزيادة لهبها بعد كل حديثٍ عنه، ولم يشعر بالراحة إلا بعد أن أراح نفسه من هذا الحسد القاتل.
قالوا: لا يكون الرجلُ الحرُّ شحيحاً، ولا يكون الكريمُ حسوداً.
إشارة
لا ينفع العلم قلباً قاسياً أبداً
وهل يَلينُ لفكِّ الماضعِ الحَجَرُ |
|