يشكل القرار بإجراء انتخابات للمجالس البلدية في الخريف القادم مفترق طرق في سير المجتمع نحو مزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار وتحمل المسؤولية.. وهي تجربة على قدر كبير من الأهمية لا لكونها تجرى لأول مرة منذ ما يقارب النصف قرن فحسب وإنما لما يترتب عليها وعلى نتائجها من استحقاقات.
وبسبب ما تمثله هذه التجربة من أهمية ولكونها الأولى في تاريخ الغالبية العظمى من أفراد المجتمع ولضرورة بلوغها أقصى درجات النجاح ولأنها مراقبة بعيون فاحصة جداً من قبل الآخرين، فالمجتمع بحاجة إلى حملات تثقيفية وتنويرية في هذا الجانب حتى يدرك اساسيات هذه الممارسة وآثارها على مستقبله.. وفي واقع الأمر فإن لكل أصحاب تخصص تحليلهم ونظرتهم الخاصة بهم في قضية الانتخابات والتصويت، والاقتصاديون هم من أكثر الفئات اهتماماً بها لأسباب عدة منها تمكين المجتمع من الإفصاح عن تفضيله وذلك من واقع البرامج التي يطرحها المرشحون لأولويات الإنفاق العام ولطبيعة السلع العامة التي يرغب الحصول عليها.
وهذا مجرد مثال لما تتيحه الانتخابات من فوائد إن أحسن استخدامها، وتمكنا من قراءة ما تفرزه من نتائج قراءة سليمة ولاستيعاب معنى الانتخابات والهدف منها، فإنها من الضروري إدراك ماهية هذه العملية وما تعنيه وما يمكن أن تؤدي إليه، إضافة إلى إدراك حجم المكسب أو الخسارة العائد للفرد بسبب تصويته أو عدم التصويت ولصالح من يصوت وما المعايير الموضوعية التي وفقاً لها يعطي الناخب صوته لأحد المرشحين؟.
وهذه الأسئلة وغيرها بحاجة إلى إجابات واضحة قبل خوض التجربة، وإلا فإن الانتخابات ستكون لدى كثيرين سلوكاً تتفوق تكلفته على المكاسب المتوقعة منه، وهذا ما تدل عليه الإحصاءات الخاصة بسلوك الناخبين في الدول النامية، ولدى آخرين مجرد التصويت لأحد المرشحين وفقاً لاعتبارات بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الموضوعية والاعتبارات المؤثرة في منفعة الناخب نفسه ومستوى معيشته.
وتكمن إشكالية الانتخابات في الفهم المغلوط لها في دول العالم الثالث والتي ينظر إليها على أنها التصويت لشخص ما لشغل مقعد شاغر وبهذا تصبح الآلية هي الغاية.. وفي واقع الأمر، فإن الانتخابات أشمل من ذلك بكثير إذ أنها تسمح بمتابعة ومراقبة أداء الذين اختارهم الشعب والتأكد من قيامهم بما التزموا به مام من انتخبهم, وبناء على هذا يتحقق الهدف والغاية من الانتخابات.
أتصور أن الحملات التوعوية والتثقيفية لمناقشة الجوانب المتعددة للانتخابات وإيضاحها من قبل المختصين بلغة بسيطة واضحة وبأسلوب علمي بناء لا دعائي.
|