لافتة تغيير: (الأًصل في التغيير ان ينبع من الداخل لا أن يفرض من الخارج، وتلك مخالفة أمريكية للمعادلة الإلهية، ولن يحدث التغيير ما لم يتحمل صناعه معناه).
.. حركة التغيير الاجتماعية سنة حياتية.. وتلك حقيقة لا تحتاج إلى تقرير. إنما اللغز الذي نحتاج إلى تفكيكه هو كيف نفهم نواميس هذه الحركة وامتداداتها الأفقية والرأسية سواء في محيط حياتنا الشخصية أو الاجتماعية.
.. وبعد مرحلة الفهم - الوعي بطبيعة التغير الحاصل وامتداداته تأتي مرحلة التفكير في أنسب الطرق والوسائل التي تتجاوب مع هذا المتغيرات، وبالتالي وضع رؤى علمية وآليات عملية تحدد طبيعة المسير واستراتيجياته في شؤون الاجتماع والسياسة والاقتصاد.. وفقه التغيير له أسسه في التوقيت والقوة والعمومية والخصوصية والمستوى والإمكانية وحجم المسؤولية وغيرها مما تقتضيه طبيعة الحركة التغييرية.
.. كل ذلك يعني ان التواصل مع أية قضية أو شخصية قبل أن تخرج عن نطاق الأماكن هو الأساس الذي يمهد لإيجابية التفاعل بين أطرافها المختلفة، إذ من الصعوبة بمكان - على سبيل المثال - ان يتجاوب المراهق - الشاب مع والديه في الوقت الذي غيبت فيه طفولته وهمشت عن - مع التواصل والحنان معهما، مثل ذلك تلك المدنية الصغيرة التي تنمو وبعشوائية حتى إذا ما كبرت صعب على القائمين عليها إعادة ترتيب أوراقها!.. وهكذا مظاهر وظواهر مختلفة في حياتنا تحكي هذه الحقيقة!..
.. إن الملحوظ في واقع حياتنا الاجتماعية على أصعدته المختلفة (وتقديم التاء على الخاء أحياناً) ان هناك شحناً وتبادلاً لإسقاطات كلامية توحي بتقصير أو خلل في هذا الطرف أو ذاك.. وكل ذلك منتج ومظهر لعدم تجاوب آليات - أدوات حياتنا مع طبيعة متغيراتها!..
.. بالجملة فإن استشعار وجود خلل هو الخطوة الإيجابية الأولى التي تحتاج إلى تفعيل وتفاعل إيجابي من كل الأطراف المعنية.. لكن الشعور غير كاف.. ذلك ان اللوام أو الناقد يكون بصيراً في نقده، ضعيفاً أو ممتناً أو ممتنعاً حين مشاركته!!.
.. وهنا، فإن من أسباب عدم تفاعل المعني بالقضية أيا كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أن تلومه أو توسعه نقداً دون ان تتفضل عليه بمقترح أو رؤية يعالج من خلالها إشكالية الموقف - الوضع الذي يعيشه!..
.. إن من السهولة بمكان تحديد أماكن الجراح ذلك أنها على الواقع تنزف، ومن الصعوبة أحياناً تشخيص أسبابها بله وعلاجها، وذلك ما يفر منه المنتقدون، واللوامون!!.
.. إن طبيعة النفس الإنسانية خصوصاً ذات المسؤولية تنفر من مشخصي ومتابعي عللها ما لم تهد لها (روشتة) علاج تعينها على إصلاحها أو القضاء عليها.. ومما يجدر ذكره هنا ان قراء التفاعل الإنساني يؤمنون بأن جملة المعارضات والعرائض النقدية (القولية أو الفعلية) ما لم تشفع بمشاريع عملية هادفة لا تعني شيئاً وان الاحتفاظ بها أفضل من إثارتها!. ومن هنا فإثارة الناس واستعدائهم لواقعهم وبث الخلل فيما بينهم أولى أم تبني مشاريع تنميتهم والمشاركة في تحمل مسؤولياتهم وبذل المناصحة (لا المفارقة) لهم - بينهم؟
.. ولذلك فإن من طيش المسؤولية وتجاوز المعقولية وسنن المرحلية ان نجعل الكل متهم، وأن الجميع فيه خلل.. دولة وعلماء ومناهج وشيب وشباب بنين وبنات!!.. إنها كتابة على الحياة بالموت وتجرأة للمتعجلين على تعطيل
حركتها!.
.. إن فوضى التغيير التي نطالب بها أحياناً سوف تنعكس على فوضويات مختلفة في شؤون حياتنا المختلفة.. وذلك لا يعني أننا نطلب بل ونطالب بالتغيير والتطوير فتلك سنة الحياة كما قررنا سلفاً، لكن حرق المرحلية واستعجال الفوضوية تعني الإساءة أكثر من الإحسان..! واحترام الإنسان وحقوقه لا تعني المطالبة بفوضوية الحرية فكلنا في سقف العبودية لله سواء، وما يصح في شؤون الحياة الغربية لا يلزم ان يتناسب وضيفه مسلماتنا الإسلامية.
.. إن الإغراق في تفصيلات الأمور وما يجب منها وما لا يجب يؤثر إلى حد كبير في الرؤى الاستراتيجية للأشياء وبالتالي فوضوح الرؤية العامة والانطلاق منها يجب الا تعطله دقائق الأشياء وتفصيلاتها.. ذلك ان مسائل توحيد الصفوف وائتلاف الكلمة أوجب في الاهتمام والاحترام من قضايا الأزياء والأشكال، وحينما نحتاج إلى تحقيق فريضة فلا يجب ان نتعثر لتطبيق سنة.
.. إن التمسك بتقليدية النظرة والحركة والإنتاج يعيق الترقّي الحضاري لأي مجتمع كان..والتقليدية في تقديرنا لا تمس ثوابت المجتمع فالذي ليس له ثوابت ليس له أساس.. ولكننا نقصد حركة التفكير والتجاوب مع سنن التغيير والتطوير الاجتماعية.
.. إن من المشكلات التي تقرأ (شيئاً) من معالمها ان من الناس حقيقة أو توهماً يربطون التقليدية بالمعاني الدينية وذلك خلاف الحقيقة والموضوعية الأخلاقية ذلك ان الدين (يسر) أي سهل واضح بل (ويسر) أي يفرح لأنه دائماً ما يضبط الحركة ويعين على النشاط فهو روح المادة التي هي قوام نشاط الإنسان.. ولكن تمثل التقليدية العملية والسلوكية وإن توشحت العباءة الدينية في أي منصب وتحت أية مسؤولية تعيق حركة الناس الاجتماعية وبالتالي - إن عاجلاً أو آجلاً - سوف تعكس رؤية مشوهة لحقيقة الدين من جهة ولتخلف المجتمع من جهة أخرى.. ومن ثم تتسبب في تنكب الناس الطريق الحق.. وهذه الواقعة الحقيقية تسببت في تنحية الدين عن الحياة في الأمم الأوروبية ذلك ان حملة الدين في عرفهم - أو من يمثله - أصبحوا معيقين لحركة الحياة لا داعمين أو دافعين لها. ومن هنا فحملة الدين منا - وكلنا كذلك - نحتاج إلى ان نكون أدوات دعم وتفاعل وإنتاج.. كل ذلك من أجل الا يؤتى مجتمعنا وديننا وثقافتنا من قبلنا! وبالمقابل فالذي يسير من غير ثوابت يصعب عليه الثبات في مسيرة الحياة، فالانحراف في الدين أو عنه كل ذلك خلل.
.. إننا اليوم أحوج ما نكون إلى نفوس مرنة لا تذوب وإلى جادة لا تحتد، تتبنى الانطلاق من واقعية وعقلية متزنة ورشيدة تحمل هم العمل مع العلم وتتجاوب مع معطيات واحتياجات الحاضر وتطلعات المستقبل فيما يخدم أمن وسلامة ورقي مجتمعها!.
جامعة القصيم - قسم الاجتماع
|