1- يحب أصدقاؤنا ممن كتبوا عن مقال الأستاذ الصويغ عن (وحدة القصيرة) أن يؤكدوا أنهم يدافعون عن الأمانة العلمية وحدها.. وأنا أؤكد لهم، وأنا أدافع عن هذا الشاب السعودي المثقف (الصوينع) أنني حريص قبلهم على الأمانة العلمية، ومهما كان الصوينع تلميذاً لي وله حق واجب عليّ، فإن حق الأمانة العلمية عندي أوجب وأوكد.
وعندما أرى هذا الإلحاح في الهجوم، وفي الانتقال منه إلى قضايا كثيرة، لا تتصل بالموضوع وفي الرغبة في توسيع دائرته، ودعوة الناس والأصدقاء إلى الدخول في ميدانه، والإمساك بتلابيب كل داع إلى الوئام والإنصاف.. أحب عند هذا كله أن أفترض أن ذلك كله برئ من كل غرض، وأنه إنما يحدث من أجل الدفاع عن الأمانة العلمية.
وعندما أقول إنني كما أرى أعد الموضوع منتهياً عند هذا الحد، يعجب متعجب لأن جميع الكتاب والقراء لم يشتركوا في الكتابة فيه، ويقول قائل: (أما أنا فلا أعتبره منتهياً، ما لم يثبت بالأدلة والبراهين ما يجعلنا نعتبره منتهياً).
وإذن فليكن موضوع مقال نشره أديب سعودي فاضل كريم هو الموضوع الأوحد الذي يجب ألا يكتب إلا فيه، وأن تظل الكتابة حوله إلى ما شاء الله، وحتى يأذن الآذن الكريم بعده منتهياً، والرأي له وحده في ذلك المجال، ولا رأي لأحد سواه.
هل ألوم ظني أن حسب أو توهم أنه لابد من أن يكون في الأمر بواعث أخرى غير الأمانة العلمية التي سمعت الحديث عنها والتي لا يمكن أن يذهب ذاهب إلى التفريط في حقها؟.
2 - وأنا أؤكد لأصدقائنا الكرام أن من حق الأمانة العلمية علينا أن ندافع عنها، ولكني مع ذلك أؤكد أيضاً وجوب التزام المنطق ونبل الهدف، وسماحة النفس وتجردها عن البواعث في دفاعنا عنها، وعن أية قضية أخرى من القضايا العادلة.
ولقد قرأت في صحيفة أسبوعية سعودية في أوائل الصيف الماضي أن دكتوراً غير سعودي سرق كتاباً كاملاً مخطوطاً لأستاذه ونشره باسمه، وأن الأستاذ ذهل لذلك وكتب فيه، ومع ذلك فلم أسمع رثاءً للأمانة العلمية التي افتقدناها، ولم أسمع دعوة للأصدقاء وغير الأصدقاء للناس في المشرق والمغرب إلى الكتابة عن قضية هذه الأمانة العلمية المفقودة رضي الله عنها.
وهنا، أعود لأوضح القضية توضيحاً لا لبس فيه، ولا خفاء في شيء منه، حتى يعرف هؤلاء الأصدقاء الكرام موقفهم من الأمانة العلمية، وموقف الأمانة العلمية منهم، وحتى ينتفي الخلاف، إذا ما كان رائدهم هو الحق والانصاف.
3- ترجع معرفتي بالأستاذ الصوينع إلى يوم أن سعى إليّ في الرياض يبلغني نبأ حصوله على الماجستير، وأنه يريد أن أشرف على رسالته للدكتوراه وهنأت ووافقت.
وكان يمكن أن أبدأ معه من أول خطوات عمله في الرسالة، ولكنني حرصاً على سلامة المنهج طالبته بجميع دراساته للاطلاع عليها، وطالعتها، وقلت له ما أحب أن أقوله فيها وطالبته فوق ذلك بكتابة بحوث أخرى للمران والتوجيه.
ولما أخبرني عن رغبته في نشر دراسته عن (وحدة القصيدة) وهي من هذه الدراسات التي طالعتها، شجعته، وطالبته في الوقت نفسه بإضافات جديدة حول الموضوع، بالرجوع إلى كتابي (وحدة القصيدة في الشعر العربي) وحددت له هذه الإضافات، وضمنها الصوينع هذه الدراسة التي أحب أن ينشرها.. وعندئذ جاء التساؤل: لماذا لم يشر الصوينع إلى مراجعه من مثل كتابي وغيره من كتب أخرى؟.
ومن الواجب علينا أن نؤكد صحة وعدالة مثل هذا التساؤل ما دام الهدف منه هو البناء لا الهدم، ولكن قائمة المصادر التي كتبها الصوينع واطلعت عليها مع البحث، فيها غنى في الدفاع عنه، أما لماذا لم تنشر هذه القائمة فلا أدري والصوينع هو الذي يملك الإجابة على مثل هذا التساؤل، وإن كنت أؤكد اطلاعي عليها، وعلى أن الصوينع لم يفرط في واجب علمي مفروض عليه.
وقد جاء دفاعي عن الصوينع مؤكداً لذلك، وخلاصته: أننا سنطرح أمر المصادر التي لم تنشر إلى أمر آخر، وإن كان فرعياً ونظرياً معاً، وهو إن الإضافات هي بعلمي ومن كتاب لي مطبوع، وأن الأستاذ المشرف على أعمال طلابه يملك الإضافة إلى أعمالهم، ولا يجني إغفال ذكر الأستاذ فيها على الأمانة العلمية، ما دام ثبت المصادر يشير إلى الكتب التي اعتمد عليها، ورجع إليها وأن قمة الدراسات والبحوث، وهي الرسائل للأستاذ حق الإضافة عليها، وهذه الإضافة يمكن أن تدرج في البحث ما دام الباحث حريصاً على الإشارة إلى مراجعه في آخر بحثه وهي التي يكون قد قرأها وأفاد منها.
4 - وهذا هو جوهر الموضوع.. ولكن النقاش ترك كل الحقائق والجوهر إلى تأكيد أن مقال الصوينع الذي نشر في مجلة المنهل على عدة أعداد هو رسالة ماجستير وسبحان الله الذي جعل العقل يتصور أن مقالاً أو عدة مقالات منشورة في مجلة يمكن أن تصبح رسالة جامعية بقدرته وعظمته.. ثم رجع النقاش إلى تأكيد أن رسالة الدكتوراه التي لم يبدأ الصوينع بكتابتها سوف تكون بقلم غير قلمه.
ثم انتقل النقاش مرة أخرى الى بحث ما هو حق للأستاذ الجامعي وما ليس حقاً له، وما هومشروع من عمله وما هو غير مشروع.
وانتقل بعد ذلك من الطالب إلى الحوار مع الأستاذ، ثم إلى استعداء الأصدقاء للكتابة في هذه القضية، وعدم ترك الفرصة تفلت من الأيدي إن فاتتهم الكتابة فيها.
ومن يدري ماذا يكون غداً؟ وإلى أي مجال سوف ينتقل النقاش؟.. وقد يمكن أن يؤكد المتناقشون غداً أن الصوينع هذا الشاب السعودي المثقف العارف بواجبه وبواجبات البحث العلمي وحقوقه عليه قد انتقل بقدرة قادر من دارس للدكتوراه إلى دارس في الصف الأول الابتدائي ليتعلم كيف يقرأ ويكتب.. أو أن يؤكدوا شيئاً آخر لا أدري ماذا يكون إذ لا علم لي به اليوم.
وأنا أترك للمتناقشين الحرية في أن يكتبوا ما يريدون ولكني وأنا أقدم لأصدقائنا مزيداً من الشكر أعلن اعتذاري وأسفي لإهمالي بعد ذلك كله الرد على ما يقال مهما كان، ومن أي إنسان.
والله الموفق إلى الحق، والهادي إلى سواء السبيل.
|