يعتبر التهاب الكبد الوبائي ج من أكثر الأمراض التي حظيت باهتمام واسع في الآونة الأخيرة بعد اكتشافه في عام 1989م؛ وذلك نظرا لسعة انتشاره غير المتوقعة، إضافة إلى ما يحدث من اختلالات صحية تستنزف طاقة الأفراد والمجتمعات؛ حيث ما زالت الخيارات العلاجية محدودة وباهظة الثمن ولا يستطيع الكثيرون سواء كانوا أفراداً أو مجتمعات تحمل نفقات العلاج.
ويقدر أن هناك 170 مليون شخص في العالم مصابين بهذا المرض، ونسبة كبيرة منهم يعيشون في دول العالم الثالث، كما أن تكلفة علاج المصاب بالأدوية المتوافرة حاليا تتطلب مبالغ طائلة. وهذا يعكس بوضوح حجم المشكلة. وتختلف نسبة انتشار هذا المرض الفيروسي من مكان إلى مكان آخر في العالم؛ فهي تتراوح بين 1.8% من نسبة سكان الولايات المتحدة الأمريكية إلى 7.9% في اليابان و2% في دول جنوب شرق آسيا إلى ما يقارب 6 - 28% في مصر. وما يعلل هذا الاختلاف في انتشار الفيروس عالميا هو طريقة العدوى، والظروف التي مرت بها كل منطقة في العالم تحديدا في النصف الأخير من القرن الماضي؛ فالعدوى تتم عن طريق نقل الدم أو مشتقات دم ملوثة، واستخدام حقن وأدوات سنية غير معقمة بطريقة صحيحة. أما الانتقال من الأم إلى طفلها أثناء الولادة فهو نادر إلا إذا كانت الأم مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، وكان تركيز الفيروس مرتفعاً في دم الأم .
ولا بد من التنويه إلى أن انتقال الفيروس من الزوج إلى الزوجة أو العكس هو أيضا نادر ونسبة حدوثه ضئيلة جداً. ومن المهم أن نعرف أن هذا الفيروس لا ينتقل عن طريق المخالطة العادية للأشخاص المصابين ولا داعي لعزل المصاب.
ولقد لعبت كل طريقة من طرق انتقال الفيروس دورا كبيرا في انتشار الفيروس في مجتمع ما؛ فأغلب حالات الإصابة في أمريكا نجمت عن استخدام المخدرات التي انتشرت في المجتمع الأمريكي في الستينات والسبعينات. أما في مصر وأثناء الجهود التي بذلت للقضاء على البلهارسيا ونتيجة لعدم شيوع استخدام طرق التعقيم آنذاك فقد أساهم ذلك في نشر الفيروس بهذه النسبة العالية في بلد يعتبر من البلدان المحافظة.
ويوجد لفيروس التهاب الكبد الوبائي ج (6 أنواع) أو أنماط ويعتبر النوع الأول من أنواعه هو الأكثر انتشارا في العالم. بينما يعتبر النوع الرابع منه هو الأكثر انتشارا في مصر والشرق الأوسط. واستجابة هذا النوع للعلاج أضعف من سواه. والسؤال المهم هنا: ماذا يحدث من الإصابة بهذا الفيروس؟ وكيف يتطور هذا المرض؟ في الواقع لا بد لنا من القول إننا ما زلنا نجهل الكثير عن التاريخ الطبيعي لهذا المرض؛ وذلك نظرا لحداثة اكتشاف هذا النوع من الفيروسات. ولكن بإمكاننا القول إنه محدود (70 -80% ممن اكتسب الفيروس سيصابون بالتهاب كبد مزمن)، وحوالي20% من هؤلاء المصابين (أي واحد من كل خمسة مرضى) سيصابون بتليف في الكبد ولكن بعد فترة طويلة أي في حدود ثلاثين عاماً. وهناك عوامل تساعد على تطور تليف الكبد عند المصابين بهذا الفيروس، وأهم هذه العوامل المساعدة المشروبات الكحولية ووجود أمراض أخرى مثل التهاب الكبد بالفيروس ب ومرض نقص المناعة المكتسبة (إيدز).
ومما يجب التذكير به أن المرض بطيء جدا وخلال أغلب هذه الفترة كان معظم المرضى لا يشعرون بأية أعراض ويتم اكتشاف المرض عندهم عن طريق فحص الدم الروتيني أو قبل التبرع بالدم. في حالة تطور المرض إلى درجة حدوث تليف في الكبد فإن الأعراض لا تختلف عن أعراض تليف الكبد الناتج من أي سبب آخر، مثل انتفاخ واحتباس سوائل في البطن والاصفرار وحدوث دوالي المريء الذي يؤدي إلى حدوث نزيف، وكذلك اضطراب في وظائف الدماغ وحدوث غيبوبة دماغية في المراحل الأخيرة، كما أن سرطان الكبد قد يحدث في مرحلة متقدمة، وبعد إصابة الكبد بالتليف وبنسبة تصل إلى 4% من المرضى المصابين بالتليف (وليس المرضى المصابين بالفيروس) يتم تشخيص المرض عن طريق إجراء تحاليل للدم للكشف عن مضادات الفيروس. وحاليا يمكن أيضا الكشف عن الفيروس نفسه بعمل تحليل (بي. سي. آر) ومعرفة عدد نسخ الفيروس في الدم وكذلك يمكن معرفة نوع الفيروس حيث إن كل هذه المعلومات تهم الطبيب قبل بدء العلاج.
أما أخذ عينة من الكبد (خزعة) فإنها تعطي فكرة واضحة عن حجم وشدة الالتهاب والتليف الحاصل في الكبد. وحاليا هناك تحاليل دموية حديثة ربما تغني عن خزعة الكبد.
ولقد خطا علاج التهاب الكبد الوبائي ج خطوات كبيرة خلال الفترة الأخيرة حيث كان في البداية استخدام حقن الإنترفيرون وكانت نسبة النجاح لا تتجاوز20%. أما الآن ومع توافر الإنترفيرون المديد الذي يعطي منه حقنة واحدة أسبوعيا، بالإضافة إلى حبوب الريبافيرن المضادة للفيروس فإن نسبة النجاح قد تصل إلى 60%، وعلى الطبيب أن يحدد من هو المريض المرشح لمثل هذه الطريقة من العلاج والتي تستمر ستة أشهر إلى سنة غالبا. وقد تكون فقط في الحالات التي يوجد فيها تليف متقدم في الكبد.
وأخيرا فإن الجهود الحالية تنصب حول تطوير لقاح ضد هذا الفيروس حيث إنه سيبقى الوسيلة الأفضل للحماية، وإلى أن يتوافر مثل هذا اللقاح فلابد من تضافر جهود العاملين في القطاع الصحي والمستشفيات؛ للتأكد من اتباع قواعد صارمة في التعقيم واستخدام الأدوات التي يمكن استبدالها أو إعادة تعقيمها جيدا، كما أنه لابد من التذكير بأن أكثر من 70% من المصابين بهذا الفيروس لن يصابوا بتليف في الكبد، وأنه يكفي تجنب أخذ الدم من المصابين وعدم مشاركتهم في الأدوات الخاصة وخصوصا الحادة منها. وكذلك أخذ الحيطة الكاملة عند حدوث جرح أو حادث لهؤلاء المرضى. وعدا ذلك فإنه يمكن للمريض بهذا المرض أن يعيش مع عائلته ويبقى عنصرا فعالا في المجتمع.
د. أسامة الخطيب
استشاري الجهاز الهضمي والكبد والتنظير - مستشفى المركز التخصصي الطبي |