أعجبني مقال نشرته جريدة (المدينة) في عددها يوم الثلاثاء 18 - 5 - 1425هـ بعنوان (لماذا المغالاة في حقيقته - صلى الله عليه وسلم -؟) كتبته الأستاذة الفاضلة (فاطمة بنت عبد الله بن رافعة - بنت السراة -) وهو المقال الذي ردت فيه على ما كتبه الدكتور (نزار جميل شقدار) في صفحة (منبر القراء) في (المدينة) يوم 5 - 5 - 1425هـ حول سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقد أعطت الأخت الفاضلة الموضوع حقه.. وحالفها النجاح والتوفيق فيما دحضت به تخريفات نزار شقدار.. وأبطلت ما أورد في مقاله من مغالطات ومبالغات في حق المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.. يأباها القرآن الكريم، وتأباها السنة النبوية الصحيحة.. ويأباها سيد الخلق - عليه السلام - لو قيلت فيه وهو حيّ.
* * *
ولعلّ صدى إعجابي بمقال الأستاذة فاطمة.. واستغرابي لما وصلت إليه (بعض) العقول (الصوفية).. من تجاوز فاضح لنصوص القرآن والسنة الصحيحة.. هو الذي حملني هنا على التداخل مع هذا الموضوع.. لعدة أسباب:
أولاً: أن الأكثرية من القراء لا تتاح لهم قراءة كلّ الصحف المحلية، وقد لا يطلعون على مثل هذا الفكر الصوفيّ الشاذّ..! وتصحيحه من قِبل مَن يتصدّى له بالردّ والتصحيح.
ثانياً: أن لديَّ بعضَ الإضافات حول الشطحات الصوفية المنكرة.
ثالثاً: أريد أن أضع أمام قراء زاويتي هذه - ممّن لم تتح لهم قراءة الموضوع في جريدة (المدينة) - بعضَ فقرات ما كتبه نزار شقدار، وما ردّت به عليه فاطمة عبد الله؛ ليعرفوا الحق من الباطل؛ أي ليعرفوا الحق فيتبعوه، ويعرفوا الباطل فيحذروه؛ كما قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: (كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن أقع فيه).
* * *
وغُلاة الصوفية - وليس كلهم - لهم شطحات في الدين غريبة، وبعيدة عن حقيقة الإسلام.. قد توصل بعضهم إلى الزندقة - عياذاً بالله - كما هي حال (ابن عربي) الذي ورد في مقال الكاتبة بإدخال (اللام) عليه. وربما يكون تصحيفا من الجريدة ف(ابن العربي) باللام التعريفية عالم سلفيّ من علماء المالكية. أما (إمام الزنادقة) - كما يطلق عليه علماء السنة - فهو (ابن عربي) الأندلسيّ، وهو صاحب مذهب (وحدة الوجود)، وهو الذي نقلت الأخت فاطمة عنه مقولته التالية: (بدأ الخلق الهباء.. وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني، وهو العرش الإلهي) - تعالى الله عما يقول الغلاة علوّاً كبيراً -. انظروا إلى هذا الغلوّ الشنيع الذي جعل محمّداً - عليه الصلاة والسلام - هو الذي استوى على عرش الرحمان..؟!
* وغلاة الصوفية ممّن يعدّون زنادقة: ابن عربي، وابن سبعين، والحلاج، وابن الفارض، والراوندي وغيرهم. وقد بلغ الأمر بغلاة الصوفية - في تشويه صورة الإسلام - ما بلغه خوارج زماننا هذا..!! نسأل الله أن يردّ الجميع إلى صراطه المستقيم.
يقول نزار شقدار: (لقد خلق الله سبحانه نوراً من نوره يسيح في كف الرحمان، وتسبح الملائكة بتسبيحه. وهذا النور هو سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ووضعه الله في آدم بدون علم الشيطان، وخلق أمّنا حواء من أضلاع أبينا آدم، وكان مَهْرُ أمّنا حواء هو الصلاة على النبيّ، وانتقل النور لأمّنا حواء..)! ثم يقول: (كذلك سيدنا محمّد هو من البشر فقط في تكوين جسمه، وليس مثلنا؛ فأصله من نور الله، وهو ليس ملكاً من الملائكة، وليس من البشر..)، ويختتم قائلاً: (صلِ على النبي ليلة الجمعة أكثر من 360 مرة؛ لأن الصلاة عليه تخرج من الظلمات إلى النور).
فهذه بعض شطحات الصوفية.. وهي شطحات جانبها الصواب.. وأخشى أن يوصلهم هذا الغلوّ في سيدنا ونبينا محمّد - عليه الصلاة والسلام - إلى مرحلة الشرك؛ لأن الله تعالى يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} - الشورى 21.
فهذا الذي يعتقدونه، ويريدون من الناس أن يعتقدوه.. ليس له سند؛ لا من كتاب الله، ولا من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل ما ثبت في الكتاب والسنة يكذب ما يقولون؛ {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} - الكهف 110.
وهو - عليه الصلاة والسلام - لا يختلف عنا إلا بشيء واحد، وهو (الوحي)، ولا شيء غير ذلك؛ بدليل ما عنته الآية السابقة، وغيرها من الآيات والأحاديث.
* * *
فردّ الكاتبة على نزار شقدار وعلى مَن قبله من غلاة الصوفية.. كابن عربي بقولها: هذا قولهم وغلوهم في النبيّ.. أما النبيّ - صلوات الله وسلامه عليه - فينفي هذه التهم قبل أن تولد؛ قال سبحانه: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} - الإسراء 93. وتنقل من كلام الشيخ (ابن عثيمين) - رحمه الله - وهو يشرح قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}: (هنا يأمر الله نبيه أن يقول للناس: إنما أنا بشر مثلكم، وهو قصر النبي على البشرية. وأكد هذه البشرية بقوله: (مثلكم) أما معنى (يوحى إلي)؛ فالوحي إعلام النبيّ بالشرع، والوحي هو الفرق بيننا وبينه - عليه الصلاة والسلام -؛ فهو متميز (بالوحي) كغيره من الأنبياء والرسل)، ثم تورد قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله). وتردّ على نصيحة شقدار بالصلاة على النبي ليلة الجمعة 360 مرة، وأن الصلاة عليه تخرج الإنسان من الظلمات إلى النور بقولها: (بشأن العدد؛ فالصحيح أن الصلاة عليه غير محددة؛ لا في القرآن ولا في السنة)، (والذي أعرفه أن الله هو الذي يخرج الإنسان من الظلمات إلى النور).
هذه الفقرات من مقال الكاتبة فاطمة بنت عبد الله بن رافعة اجتزأتها باختصار شديد بقدر ما تستوعبه مساحة هذه الزاوية؛ فجزاها الله خيراً، وأكثر من أمثالها من اللائي يدافعن عن عقيدة الأمة وسلامتها من البدع والمحدثات في الدين؛ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ). حديث صحيح.
|