المكرم - رئيس تحرير جريدة الجزيرة.. سلمه الله..
أرجو أن أجد لديكم مجالاً للتعقيب حول مقال الأستاذة فاطمة العتيبي في مقالها المعنون ب(لِمَ لا يكون رجال الهيئة.. رجال أمن؟!) الذي نُشر في العاشر من جمادى الأولى في العدد رقم (11596)..
بداية لا استطيع أن اخفي مدى إعجابي بتلك الكلمات التي خطتها أنامل الأستاذة الكريمة فاطمة، التي تحرت الصدق والحقيقة في ثناياها.. وذلك واضح وجلي في قولها: (فمثلما نقف وبقوة ضد أي محاولة لتبرير الإرهاب أو الدفع إليه بأي دعوى، ونسعى ونطالب بالمراجعة والتدقيق للمرحلة التي مضت، فإننا كمجتمع مسلم.. يعرف العدالة والنزاهة لا يمكن أن نقبل أن يتهم الناس ويأخذوا بجريرة غيرهم؛ لأن لهم ذات الشكل الذي اتخذوه اقتناعاً منهم وتعبيراً عن شخصياتهم التقنية.. أو لأنهم يمثلون المؤسسات الدينية في الوطن).
نعم.. لقد أصابت الكاتبة كبد الحقيقة.. الحقيقة التي تبدت متجردة من تلك الكلمات الغريبة التي نراها أحياناً في كتابات بعض كتّاب جرائدنا، ممن لا هم لهم سوى إلقاء التهم جزافاً، دون أي تحرٍ للحقيقة، ودون أي تمييز بين من أخطأ ومن لم يخطئ!!.. نعم (لايمكن أن نقبل أن يتهم الناس ويأخذوا بجريرة غيرهم).
هذه حقيقة لايجادل عليها العقلاء..
وهذه الحقيقة ينبغي أن نجعلها قاعدة ثابتة نقيّم بها جميع سلوكياتنا وتصرفاتنا..
وأعتقد أن من يهمل العمل بها، سوف يكون مجانباً للصواب بدون أدنى شك..
وكما أن هذه الكلمات -الآنفة الذكر عن الاستاذة- أثارت إعجابي بصورة كبيرة، فإن الكلمات التي تبعتها أثارت دهشتي واستغرابي بصورة أكبر وأكبر!!.
تقول الأستاذة فاطمة: (إن وظيفة رجل الهيئة اتخذت الآن شكلاً أمنياً أكثر من كونه دعوياً ووعظياً، ولذا فإنني أتمنى أن تضم إلى الأجهزة الأمنية.. فالجانب الوعظي قد انحسر كثيراً.. ويجب أن نعترف ونقر بذلك، لأن شرائح المجتمع لم تعد تقبل بتدخل أشخاص في حياتهم الشخصية تحت أي مبرر طالما هم مسلمون ومسالمون ويسيرون وفق طريق حياتهم الاعتيادية، وتبقى علاقتهم بربهم وانضباطهم في أداء عباداتهم أمراً متعلقاً بهم وبربهم سبحانه).
لقد أثارت كلمات الأستاذة فاطمة في نفسي الدهشة والاستغراب!..
كيف لا.. وأنا أراها تهدم - من حيث لا تشعر - ركناً ركيناً وعموداً مكيناً لا غنى لنا عنه البتة!..
أقول لكِ يا أستاذتنا الكريمة: إن كنتِ ملتزمة بالمبادئ والقيم والأخلاق التي دعا إليها ديننا الحنيف، فإن هنالك أعداداً من الناس لم تلتزم بها للأسف الشديد!..
لا شك أنك تتفقين معي - رعاك الله - انه لا يخلو مجتمع من أناس ضلوا عن الطريق، فإن لم يجدوا من ينهاهم عن ضلالهم، بناء على قولك: (يسيرون وفق طريق حياتهم الاعتيادية)، فمن سيحمينا - بعد الله - من نتائج - أخطائهم.
إذا كانت (حياتهم الاعتيادية) مليئة بالأخطاء والأفعال المنكرة، فهل سنتركهم لأن هذه هي حياتهم الاعتيادية؟!!
ثم إن هنالك صنفاً من الناس يرتكبون أخطاء يظنونها صواباً، فلو تركنا هؤلاء يسيرون وفق ما تمليه عليهم أخطاؤهم، ألا يكون هذا غشاً منا لهم؟.. أليس هذا نقصاً منا في واجبنا الاجتماعي والوطني؟؟..
وهذا كله على فرض أن كلامك ليس فيه ما يناقض نصوص الوحيين!.. فهل نسيت تلك النصوص؟؟
أختنا الكريمة.. لو أخذنا بقولك: (شرائح المجتمع لم تعد تقبل بتدخل أشخاص في حياتهم الشخصية تحت أي مبرر)، فكيف سنفهم قول الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ).. وكيف ستعمل بمقتضى هذه الآية؟!.. بل كيف سنفهم قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) وقوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ)؟؟..
وكيف سنعمل بقوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده...)؟؟
وما الذي يدل عليه قول أبي بكر رضي الله عنه: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون أن يغيروا ولا يغيرون، إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)؟؟
والآيات والأحاديث في هذا الشأن كثيرة ومتوافرة..
كيف سنعمل بهذه النصوص - رعاك الله -؟..
هل نعطل العمل بها من أجل أن (شرائح المجتمع لم تعد تقبل بتدخل أشخاصٍ في حياتهم الشخصية تحت أي مبرر)؟!!.
ثم إننا لا نرى من إخوتنا المؤمنين إلا الدعاء وعبارات الشكر والثناء لأفراد جهاز الهيئة - حماهم الله -.
ولو صدر من أحدهم خطأ، فإن هذا أمر طبيعي ينبغي له أن ينتبه له صاحبه من جهة، غير أنه يدل من جهة أخرى على أنهم بشر مثلنا يخطئون كما نخطئ، فلم نغض الطرف عن أخطائنا ونبحث عما يبررها، ولا نغضها عن أخطائهم؟!!
ثم من قال: إن (الجانب الوعظي انحسر كثيراً)؟!!
عجباً!!..
ألستِ تبصرين قوافل العائدين والعائدات إلى ربهم جل وعلا؟!!
لا أظن أمراً واضحاً كهذا لا يبصره ذو عينين!!.
قبل الختام..
أعود لأشكرك على ما بدأتِ به مقالك.. وأسأل الله العلي القدير أن يجعلنا متعاونين على البر والتقوى، ومتناهين عن الإثم والعدوان، عملاً بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)..
وأختم هنا بما نقلته الأستاذة فاطمة عن أحد أعضاء مجلس الشورى, وهو قوله: (تُرى كيف سيكون حالنا لو لن يكن الله معنا ثم الهيئة؟!)..
حقاً: كيف سيكون حالنا؟!..
كيف سيكون؟!.
ماجد بن محمد العسكر /الخرج |