قامة فارعة، نظرات حادة، لفتات متعالية عن يمينٍ وشمال تشعر الآخرين أن صاحبها ينظر إليهم من أعالي أبراج الكبرياء، كلماتٌ بطيئة غير مبالية توجّه إلى الناس ممزوجة بالاحتقار لهم والتعالي عليهم.
هدوء مصنوع يوحي دائماً بأن وراءه الطوفان، أو العاصفة التي تتمثل في صرخة مدوية يهتز لها المكان، والموجودون فيه: اقتلوا الكلب، اقتلوا النَّذل، اقتلوا الجبان، وما تكاد تنتهي حروف الأمر حتى تكون الرّصاصة قد اخترقت صدر (الكلب، أو النذل، أو الجبان)، ويغلق الستار، ولا يجد الدم المهراق من يتحدث عنه من الناس، أما عند الله فقد سجل في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
وحينما يتساءل الإنسان عن ذلك الإنسان الذي أطلق عليه صاحب النظرات الحادّة (كلباً أو جباناً أو نذْلاً) يجده رجلاً صالحاً، أو بريئاً، أو مفكراً أو رجلاً ذا مكانة في قومه.
مشيته صورة جليّة من صور الخيلاء التي نهى عنها الله، وتوعّد صاحبها بالعذاب الشديد، صدره منفوخ، وحاجباه مقطبان، ولو كان له ريش لما رأيناه إلا منفوشاً.
كل شيء في بلده له هو وحده، المرأة التي تعجبه له، وإن كان لها زوج، والموضع من الأرض الذي يعجبه له، ولو كان صك الملكية لصاحبه عشرة أمتار، هو كل شيء، يجب أن تهدأ الأنفاس إذا حضر، ويجب أن يخاطبه الكبير والصغير بكلمة (سيّدي) وأن يكرّرها في إخباتٍ وخشوع، حتى وإن أمر بقتله أو تجريده من ماله ومكانته.
قامةٌ فارعة ترتدي أغلى أنواع الملابس الغربية الفاخرة، ولا تنثني أمام أحد من الناس، بل ربما كان انثناؤها أمام ربها - سبحانه وتعالى - نادراً.
نظرات حادة من رجل (مَهيب، أو ماجد، أو عظيم) كلّها ألقابٌ يصح أن تطلق عليه، وإن كانت في نظره دون مستواه.
لفتاتٌ متعالية على الناس جميعاً، ومن يكون الناس أمام هذا (العملاق) الوهمي الكبير؟!
سنوات، وسنوات، كلّها كبرياءٌ وخيلاء، وكلّها تسلُّطٌ وتجبرٌ، وقتلٌ واعتداء، وطرد وتشريد، وسجن وتأبيد، وحكم بالإعدام الذي يخضع للتطوير والتجديد.
هنالك (ضحكة) مميّزة له لها طَقْطَقة خاصة تعبر بوضوح عن أسوأ حالات الغفلة عن الله، وأبشع حالات الخيلاء والكبرياء.
سنوات مضت، وصاحب القامة الفارعة لا يلتفت إلى موعظة، ولا إلى ذكرى، ولا ينظر إلى أحد من الناصحين، ولا يفكر في إله السماء المحيط بكل شيء.
سنوات مضت، وجاء اليوم الموعود.
قامة فارعة لكنها ذابلة، صدرٌ مقبوض، عينان مسترخيتان، نظراتٌ واهنة ذليلة، يدان مقيّدتان، كلمات متكسّرة متلعثمة ممزوجة بالوهن، والاستجداء، خطابٌ فيه من التذلّل ما لم يستطع التظاهر بالقوة أن يخفيه أبداً، هدوء مصنوع من الذلِّ والهوان.
سبحان الله العظيم، لوحتان متناقضتان تماماً لشخص واحد، عبرة من العبر، وموعظة من المواعظ، لو نقلت لنا من التاريخ لهزّتنا من الأعماق، فكيف بها وهي صورة واقعية نراها رأي العين؟!
إشارة
{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.
|