لقد أتحفنا الأستاذ الفاضل محمد بن عبدالله آل رشيد بأربع حلقات من النقد العلمي المختصر لكتاب ذيل الأعلام لأحمد العلاونة، والذي يؤكد لنا تمكُّن هذا الرجل في علم التراجم والرجال ومقدرته على اكتشاف الأخطاء والأوهام بل وعدم الامانة العلمية أحياناً والتي يقع بها بعض الكتَّاب، وهذا لا يأتي إلا من دراية واطلاع واسع، فعسى الله أن يوفق أستاذنا إلى المزيد من العطاء والتقدم، ولنا ملاحظة على ما جاء عن إحدى الشخصيات الواردة في الحلقة الثانية والمنشورة في هذه الصفحة الموقرة في العدد 11581.. فأثناء نقده للكتاب المذكور وعن الكاتب والأديب العراقي سلمان الصفواني كتب الأستاذ محمد: (أرَّخ مولده 1318، ووفاته 1409 وقال في ترجمته: (ولد في قرية صفوة من أعمال نجد وإليها ينسب، ثم قدم العراق وأصدر جريدة اليقظة عام 1919)، وقال في الحاشية بعد أن ذكر موسوعة أعلام العراق: (وفيها أنه من مواليد محافظة القادسية) قلت: أولاً: أغفل اسم أبيه، وهو (صالح بن أحمد آل إبراهيم الصفواني) كما في (المنتخب من أعلام الفكر والأدب) (ص 163) ثانياً: جاء مولده في المصدر المتقدم أنه في 1317 ووفاته 1408 وصاحب هذا المصدر هو من المحققين البارعين المتقنين.. ثالثاً: مولده كان في النجف كما في المصدر المتقدم و(معجم رجال الفكر والأدب في النجف) (2-812) رابعاً: صفوى ليست من أعمال نجد، بل هي تقع شمال القطيف، وهي من توابعه فلا تُعد من نجد: انظر: (المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية) المنطقة الشرقية (البحرين قديماً) القسم الثالث (ص 974 - 977) للعلامة حمد الجاسر، و(الموسوعة الجغرافية لشرقي البلاد العربية السعودية) (2-77-79) للأستاذ عبدالرحمن بن عبدالكريم العبيد خامساً: جاء في (أعلام الأدب في العراق الحديث) (2-371)، وهو من مصادره في الترجمة، أن جريدة اليقظة صدرت في 5 أيلول 1924) انتهى.
والحقيقة نرى بأن هذه الشخصية التي تُعتبر من أعلام العراق وتاريخه الحديث إنما هي من أعلام المملكة أيضاً، ولنا الحق بقول ذلك لأن سلمان الصفواني بالفعل ولد في بلدة صفوى الواقعة على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وكان ذلك عام 9981م بل ونشأ بها نشأته الأولى وتعلم بها القراءة والكتابة، وحفظ أجزاء من القرآن الكريم على يد المطوع في كتّاب البلدة حيث كانت الكتاتيب هي مدارس ذلك العصر، وهذه المعلومة مصدرها سلمان الصفواني نفسه وذلك في مقابلة أجراها معه إبراهيم القيسي بمناسبة يوم الصحافة العراقية والتي نُشرت في جريدة الشعب العربي بتاريخ 12-6- 1987م، وهذا ما نقله لنا أحد أبناء عمومته وهو الشيخ صالح بن محمد آل إبراهيم في كتابه (صفوى تاريخ ورجال)، ولا بأس هنا بأن نعرّف أكثر بهذا الرجل الذي يُعتبر رمزاً من رموز الثقافة والفكر والنضال العربي، فأسرة آل إبراهيم المنحدر منها هي من الأسر العريقة في منطقة القطيف وتنتشر هناك في كل من صفوى والعوامية والكويكب والمسعودية (مع مراعاة تشابه الأسماء) وهي نفس أسرة آل ابراهيم المعروفة في العراق (في الناصرية وفي المشخاب بالفرات الأوسط) ودخلوا هناك في عشيرة بني مالك من قبائل المنتفق، وقد ذكرهم العزاوي في عشائر العراق (ص 318) فقال: (آل ابراهيم هذه في عداد بني مالك، ومنهم في مركز لواء المنتفق في (الناصرية) ورئيسهم جايد آل طاهر ومنهم في المشخاب (الفيصلية)، وجاء في عشائر القزويني انهم (حي من المعادي في العراق) ولم يرجعها إلى ما يعين أصلها، وقال الاستاذ سلمان الصفواني: (ان السيد رضا النسابة النجفي البحراني يقول في كتاب الانساب المخطوط: ان هذه العشيرة نزحت من القطيف الى العراق.. أما من في القطيف فيقولون انهم من شمر نجد (من عبدة) ولها اتصال وصلة بها، والشائع انهم من بني مالك والاستاذ الصفواني يرجح انهم من عبدة، وان السودان يقولون إنهم منهم، وإن الفروع مشتركة) انتهى، نقول بل هم من عبدة شمّر وبالتحديد من آل جعفر ويلتقون في النسب مع آل رشيد حكام نجد سابقاً، هاجروا إلى القطيف قبل عدة قرون من منطقة حائل ونسبهم ومكانتهم في الماضي لا تخفى على العارفين من أهالي المنطقة.
وسلمان الملقب بالصفواني والذي عُرف أيضاً في بداياته بسلمان القطيفي هو سلمان بن صالح بن حمد آل إبراهيم، خرج من صفوى إلى جزيرة البحرين والتي كانت متقدمة علمياً آنذاك في الخليج فحصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة الإصلاح في المنامة ثم التحق بالمدرسة الأمريكية هناك وبعدها هاجر إلى العراق لتلقي المزيد من العلم فأقام في النجف وتخصص في العلوم العربية والإسلامية ومع أحداث الثورة العراقية انتقل للكاظمية لإكمال دراسته هناك وفي تلك الأثناء انخرط بقوة في العمل السياسي والحركات الوطنية في العراق. احتج على الانتخاب المؤدي للتصديق على معاهدة 1922م والتي تضع العراق تحت الانتداب البريطاني، وقد كان له خطبة حماسية مدوية ألقاها في الكاظمية، فاعترضته الشرطة عند إلقاء خطبته مرة أخرى في الكرخ أمام حشد غفير مما أثار الفوضى والمواجهة مع الشرطة، فأدت تلك الحادثة لنفيه إلى خارج العراق (الحجاز) مع الشيخ الخالصي، وبعد عودته من المنفى عام 1924م أسس مع نخبة من زملائه (نادي الإخاء العراقي) كما ساهم في تأسيس (مدرسة المفيد الأهلية) ودرّس بها، وفي نفس العام أسس وأصدر جريدة اليقظة العراقية التي واجهت العديد من المشاكل من تعطيل وإغلاق وما شابه ذلك مما اضطره لإصدار صحف بأسماء اخرى مثل (صدى اليقظة) وصحيفة اسبوعية باسم (المنبر) وذلك إلى عام 1946م حيث سمح فيها بقيام الأحزاب وإعادة إصدار الصحف، إلا أنه خلال تلك الفترة كان يكتب في المجلات والصحف العراقية الأخرى كما كان يعمل كمراسل لجريدة البلاغ المصرية.. عمل أيضاً كرئيس تحرير لصحيفة المعارف الأسبوعية في العراق.. له من المؤلفات (رواية الزرقاء)، (هذه الشعوبية)، (أذن وعين)، (كفاحنا القومي)، (محكوميتي) و(تاريخ الحروب العربية)، وله أيضاً مذكرات مخطوطة نقل منها الدكتور علي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) أثناء الحديث عن سيرته، وعمل في عدة أعمال ومناصب منها: مدرس في كل من مدرسة المفيد الأهلية بالكاظمية ودار المعلمين في الأعظمية ودار المعلمين الريفية بالزعفرانية وفي الثانوية المركزية للبنات ببغداد، وعمل كمحاضر في مدرسة الزراعة بالزعفرانية ومدرسة الصناعة ببغداد، كما عُين سكرتيراً في وزارة الأشغال والمواصلات وسكرتيراً للإذاعة في وزارة المعارف، وشغل منصب مدير دائرة النفوس في لواء الحلة وملاحظ الموظفين الأجانب بمديرية المحاسبات العامة وعمل مفتشاً مالياً في وزارة المالية، ومفتشاً في وزارة التموين، ومديراً للإذاعة العراقية، كما شغل منصب وزير للدولة إلى أن تقاعد، هذا وقد كان له العديد من النشاطات على الصعيد السياسي والاجتماعي فقد كان عضواً في كل من: نادي المثنى، جمعية الجوال العربي، جمعية إنقاذ فلسطين، جمعية مكافحة التدرّن، مؤتمر الجزيرة الذي انعقد في مكة المكرمة عام 1923م، عصبة مقاومة الاستعمار ببرلين (عاصمة المانيا)، حزب الاستقلال ونادي البيت العربي وغيرها.. كما كان له العديد من الاحتكاكات حيث زار عدة دول عربية وأجنبية منها: المملكة العربية السعودية (مسقط رأسه)، سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن، اليمن، مصر، تونس، الجزائر، البحرين، الكويت، السودان، إنجلترا، فرنسا، سويسرا، باكستان، الصين، روسيا، المجر، وقابل في تلك الأقطار التي زارها العديد من الملوك والرؤساء والزعماء، ومما قِيل عن سلمان الصفواني إنه في طليعة الصحفيين الأدباء ويتميز أسلوبه الأدبي بالوضوح والتماسك والخصوصية دون الخلو من بلاغة التعبير وعمق الفكرة والسخرية اللاذعة، وعلى المستوى الشخصي عُرف بخدمته لقضايا الأمة وبذله كل ما يستطيع من أجل القضايا الوطنية والقومية بكل اخلاص وكفاءة وتجرد دون الجري، وراء مغنم ودون الحفل بما أصابه جراء ذلك من عنت وارهاق ومضايقة.. ومن الفترات العصيبة في حياته أنه سُجن عدة مرات لأسباب سياسية أو متعلقة بحرية الرأي، وتعرض للنفي كما ذكرنا، ومن المحن التي مرَّت عليه هي تهديده من قِبل مجموعة من الشعوبيين وهجومهم عام 1959م على مقر جريدته (اليقظة) وحرقها وتدمير مطابعها، وحين لم يظفروا به لقتله قاموا بالهجوم على منزله محاولين الاعتداء على أفراد أسرته، وبعد كل هذه الخسائر المادية والاضرار النفسية والأدبية الجسيمة التي لم يجر فيها أي تحقيق ولم يُعوض عنها، قرر اللجوء وعائلته الى القاهرة، ومكث بها حتى عام 1965م.
توفي رحمه الله في العراق عام 1988م عن عمر ناهز التاسعة والثمانين عاماً.. ذكرته العديد من الكتب والمصادر العراقية والعربية، وذكره من أبناء المنطقة الشرقية كل من الشيخ صالح آل إبراهيم المذكور آنفاً، والذي كان مصدرنا الرئيس فيما أسلفنا، وذكره الأستاذ محمد سعيد المسلم في كتابه (ساحل الذهب الأسود) وبتفصيل أكثر في كتابه (القطيف واحة على ضفاف الخليج)، وذكره السيد حمزة الحسن وهو من أبناء صفوى أيضاً.. أما عن بلدة صفوى فبلاشك كما صحح الأستاذ محمد آل رشيد في مقاله، هي إحدى بلاد القطيف من شرق الجزيرة العربية في الأقليم الذي كان يُعرف بالبحرين والواقع بين البصرة شمالاً وعمان جنوباً، واسمها الأصلي هو (صفواء) والنسبة إليها صفواني كما ذكره المسعودي في التنبيه والإشراف عند ذكره لإحدى الشخصيات في أحداث القرامطة في القرن الثالث الهجري، وقد ذكرها ابن الشاعر ابن المقرب البحراني المولود في القرن السادس الهجري فقال:
والخط من صفواء حازوها
فما أبقوا بها شبراً إلى الظهران |
والخط هي القطيف التي كانت حدودها المأهولة في ذلك الوقت تمتد من صفوى شمالاً إلى الظهران جنوباً، وما زالت بعض آثار المساكن ومزارع النخيل ظاهرة للعيان في تلك المناطق.. هذا ولا صحة لتسميتها ب (صفوة)، كما لا صحة للقول بأنها هي (الصفا) المذكورة تاريخياً في هجر فهذا وهم وقع به بعض الباحثين المتأخرين، فالصفا قصر بقرب قصر المشقر بمدينة هجر القديمة (في الأحساء) والصفا أيضاً اسم لنهر كان يتفرَّع من نهر محلم بهجر والذي تثبت بعض الوثائق القديمة لدى أهالي الأحساء بوجوده فيها، كما كان يسقي نخيل عسلج وهي منطقة معروفة اليوم في الأحساء، ويمكن مراجعة ذلك في كتاب (هجر وقصباتها الثلاث) للباحث القطيفي الأستاذ عبدالخالق الجنبي، هذا ما لزم قوله باختصار عن هذه الشخصية التي ولدت على أرض هذا الوطن والتي كان لها دور فاعل في الأدب والفكر العربي، كما كان لها دور ريادي في الصحافة العربية، ونشكر مرة أخرى أستاذنا الفاضل محمد آل رشيد لتطرقه لهذه الشخصية كما نشكر جريدة (الجزيرة) خصوصاً الإخوة القائمين على هذه الصفحة المضيئة في مجال التاريخ والتراث العربي.
(*)باحث في تاريخ الجزيرة العربية - المشرف على منتدى تاريخ الجزيرة العربية بمنتديات الوراقين.
|