Sunday 11th July,200411609العددالأحد 23 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "عزيزتـي الجزيرة"

وعاذل عذلته في عذله وعاذل عذلته في عذله
لعلك تعجِّل بالبواقي يا صاحبي !!

كنت قد انتهيت من قراءة ما جاء في عدد (11604) من منبر صحيفتنا العملاقة، وفي أتون صفحة (عزيزتي الجزيرة) رأيت تعقيباً على مقالي المنفرط الذي أناف على شهر من صدوره، وقد خلت أن الحال والشأن قد اندثر ولم يلو على شيء، وللحقيقة فقد ذكرني بالأيام المواضي التي طافت في هاتيك الوقفات وطوَّفت، ففحوى تعقيبه وغاية مقصده على حد قول صاحبه: (ولولا يظن القراء أني بُهرت وأفحمت، وأن رأيه صائب ما كلفت نفسي) إذن هو شعوره بعدم الرضا على ما جاء في مقالي السالف، وأحب أن يبين للقراء ما يراه حقيقة لا غبش فيها، ونسي أخي أنني أحكمت مقالي باحتراز يعيه الراسخون في العلم، هذا الاحتراز هو توخي الأسلوب الأمثل في كتاباتنا، فمن غير المستساغ القول (طاف في بالي أن أعبر عن تقديري له)، فالبال لا يستخدم على هذه الصيغة وإن جاءت المعاجم بمعان عدة له، بل وإن جاء الشعر بهذا، فما قولنا بنقد قول حسان بن ثابت - رضي الله عنه - حين ذكر جمع القلة (أسياف) ولم يأت بجمع الكثرة (سيوف) ويقاس على ذلك ما جاء على شاكلة هذا النقد، فمنهم من شبه كثرة الجنود الذين يفدون ميتاً بالورم!! وما كان الورم قط إلا خبيثا، فرحم الله الشهيد الرنتيسي.
وحين يقف الباحث على كتاب يراه قد وافق الحق والمرضي من القول، نجده يأخذ عنه ويحيل إليه، وإن كان هنالك من عتب عليه فهو اعتماده على مرجع متأخر، على أنه يوحي إلى أنه ارتضاه لنفسه وهدي إلى الركون إليه، فهو رأيه وللجميع حق الاختلاف ما أمكنهم ذلك؛ إلا أن المعجم اللغوي - وقد ذكرت في مقالي السابق - ليس بإزاء تفصيلات عامة، ولا أعني بهذه التفصيلات كل ما يرد فيها، بل بعض الكلمات حفلت باستقصاء منقطع النظير، فمثلاً كلمة (البال) فإن صاحب اللسان ينص على أن الكثير فيها للنفس، أي أن الأسلوب الجيد الصقيل أن تستعمل لذلك بخلاف المعاني الأخرى، أما القاموس فنصَّ على أنها للحال، ولم يذكر أنها للشأن، أي أن الأسلوب الامثل أن تستعمل للحال، وأما المعجم الوسيط فنص على أنها للحال والشأن، أي الأفضل أن تكون للحال والشأن، والمعاني الأخرى أقل منها، فهو فهم أنني أنكرت وجود غيرها.
وبالجملة؛ فعندما يجد الباحث هذا الاختلاف بين المعاجم ثم يقف على كتاب راصد ككتاب (تطهير اللغة) فيأخذ به وينقل عنه، لأن المسألة ليس فيها إجماع صريح؛ فلا تثريب عليه ولو اعتمد على مرجع متأخر، فما كان العلم حصراً على عالم دون سواه، فالحكمة ضالة المؤمن، والعلم في عصرنا آخذ بالتقدم المطرد، ومع كل ذلك فالباحث غايته إبداء الرأي وفق ما اعتمد عليه، فإن كان من مجانبة للحق كما يراه الآخرون فهو رأيه ويشترك معه صاحب المرجع الذي نقل عنه، وعوداً على بدء فهو رأي له والاختلاف حياله مشاع، والمعاجم تجاه هذه الكلمة وغيرها لا تعد حجة، بل هي عرض لآراء أصحابها ولمن نقلوا عنهم، وهنا يأتي دور الفاحص إن وفق، وإلا فهو مجتهد، وهذه لفتة لطيفة خليقة أن تؤخذ بالحسبان.
أما قول صاحب التعقيب من أن هنالك فرقاً بين كلمة (كل) و (غير) فهو محق في ذلك، ولكن حين يقول في مقاله السابق (ولو أنه مدَّ يده إلى ما شاء من المعاجم) وقوله في مقاله الذي تلاه مصرَّاً على قوله (ولو أنه رجع إلى ما شاء من المعاجم) فهو يوحي إلى تعميم الرجوع إلى كافة المعاجم، فأنا سأرجع إلى ما يقع بيديَّ من معجم، وكلما وقع بيديَّ معجم فسأقرأ ما جاء تحت كلمة (البال)، لا لشيء سوى أني شئت أن أقف عليها كلها، فهذا تعميم منه ولو جاء بالفرق بين الكلمتين، فقد جعل معنى (غير) ك (كل). وهذا - إن شاء الله - يسير وسهل وبيِّن.
هذا تعقيب منه نال ملحوظة واحدة من خمس ملحوظات كنت وقفت عليها سلفاً، وقد أخذت منه وقتاً ليس بالقليل، فلعل أخي يعجل بتعقيب - إن وجد - على البواقي وهن (الجلوس، الالتفات، أمام، الشباب) فالجميع بما فيهم كاتب هذه السطور لفي شوق هائم إلى متابعة الطارىء المستجد، وأن يأتي بما وراءه وأمامه كما فعل في مقاله.
وبعد؛ أشكر أخي على تعقيبه الذي تكشَّف عن مطالعة حاضرة، وليس من وحي ذاكرة مختزنة للمعلومات، على أنه بودِّي ألاَّ يمتطي مركب التقليل من شأن الآخرين إلا ما طغت عليه اللغة قسرة دون قصد، ثم عليه ألا يلبس نفسه رداء التفخيم والتعظيم حين يقول (ثم ها نحن أولاء نلج عظم الموضوع وصلبه) فليس من المستحب إطراء النفس من صاحبها، فحري أن لا يغيب عن المرء ما قد يكون في جعب الآخرين، فربَّ حجة دحضت أختها في وضح النهار وعلى الملأ أجمع و
أكتع، وما من أحد شق عن صدر أخيه ليقول (مع أني أوقن أن الأخ لا يعرف أكثرها) كما أن الخليق بالكاتب - أي كاتب - الاستفادة من الأسلوب المتزن وإن كان من قبلُ على غير ذلك، وإني - علم الله - لا أريد من هذه الكتابات إلا نشدان الحق، وليس للقراء إلا أخذ الحق إن كان حقاً، فلا أبغي رضاهم أو سخطهم، فلست مفتقراً إليهم كما يصنع الآخرون، فسواء عندي جهلوا عليَّ أو امتدحوني.

أحمد بن عبدالعزيز المهوس


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved