لا يعرف ما هي المرجعية القانونية التي يمكن أن تقبل بها كل من إسرائيل والولايات المتحدة للفصل في أي شأن من الشؤون، فحتى محكمة العدل الدولية التي يرأسها قاضٍ أمريكي لم ترض الدولتين لأنها أصدرت قرارا يقول بعدم شرعية الجدار الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية.
ولأن المعايير والمواصفات الإسرائيلية أصلا غير واقعية، فإن كل ما يصدر عنها يفتقر إلى الصدقية، لكن أن تنهج الدولة العظمى الولايات المتحدة ذات هذا النهج الإسرائيلي الذي يعبر فقط عن نشاز في المحيط الدولي، فإن ذلك يمثل عين الكارثة.
فالولايات المتحدة يفترض فيها أن تكون من أكبر الساعين لاحترام القانون الدولي وتهيئة كل السبل من أجل الحفاظ على كينونته، وإيجاد السبل لتطبيقه، وإلا كيف يمكن لها الإسهام بفاعلية في حل النزاعات الدولية، وهي أصلا لاتدعم مثل هذا القرار الصادر من هيئة دولية كبرى؟؟
ورغم وجاهة قرار محكمة العدل الدولية، فإنه يكتسب فاعلية أكثر إذا وجد فرصة للتطبيق، غير أن القرارات التي تصدرها هذه المحكمة غير ملزمة، إلا أنها توضح الجوانب القانونية في أي معضلة، وفي حالة الجدار، فهو الآن غير شرعي بموجب القانون الدولي، وبالتالي فإن هذا القرار يمكن أن تكون له (أسنان) إذا انتقل الأمر إلى الأمم المتحدة وصدر قرار بتجريم إسرائيل ومطالبتها بإزالته.. وبمعزل عن كل ذلك فإن القرار تظل له قيمته القانونية والمعنوية التي تمثلت في الانتصار للحق، وبالتالي الانتصار للشعب الفلسطيني وللعرب بصفة عامة، كما يمثل لطمة قوية لإسرائيل وللولايات المتحدة التي رأينا كيف أنها شعرت بالحنق لأن قرارا بمثل هذه الأهمية، يصدر من كيان دولي مرموق، لايحظى بدعمها، وأنه يأتي عكس ما تريد، ولا يلبي تطلعاتها في تكريس الظلم والطغيان الإسرائيلي..
أهمية القرار من جانب آخر تكمن في أنه ينبه العالم، أو الكثير من الدول إلى الحقوق الفلسطينية المنتهكة، كما يشير إلى المدى البعيد الذي تذهب إليه إسرائيل في الاستهتار بالقوانين والأعراف الدولية، وهناك أجيال عديدة في أنحاء العالم لم تشهد مثل هذه الإدانة الدولية لإسرائيل، لكن هذه الأجيال تعايش الآن، وهي مدركة لأبعاد القرار، وقائع قضية قانونية تتفاعل أمامها وتتاح لها فرصة الاطلاع على الحكم وعلى الكيفية التي تتصرف بها إسرائيل تجاه الحكم، وكيف أنها ترفض الإرادة الدولية إذا كانت لا تتفق وأطماعها في حقوق الآخرين..
وهكذا فإن هذا الحكم يعتبر نقطة تحول كبيرة في مسيرة القضية الفلسطينية من جهة أنه ينبه الرأي العام الدولي إلى الجوانب الأخرى للقضية الفلسطينية، وقد يجعل الأنظار تتجه إلى الأخبار اليومية للفظائع الإسرائيلية التي تنزل بالفلسطينيين، وفيها كل ما يدين إسرائيل ويظهر القمع الذي تمارسه..
|