لعل المدرسة تلعب دوراً مهماً في تقسيم ساعات النهار للأطفال وأهاليهم معاً، وفي ذلك اليوم الذي تغلق فيه المدرسة أبوابها سوف تُزال الحواجز والحدود بين الليل والنهار، بين الواجب والمتعة، وبين المهم والثانوي، وتغدو على الغالب الإجازات الصيفية مساحات صفراء كبيرة تمر من بيننا وتسحب معها رونق الشباب ونشاطه وهمته وتحوِّله إلى عجينة استهلاكية خاملة رخوة عاجزة عن السيطرة على تفاصيل حياتها.
باعتقادي الشخصي أن السيطرة على الوقت هي من أهم السبل التي تدفعنا إلى المضي قُدماً نحو أهداف واضحة ومحددة ومنتجة أيضاً سواء على المستوى الشخصي أو المستوى العام، والسيطرة على الوقت هي التحكم بثروة كثيراً ما تُهدر من بين أيدينا دون أن نجيِّرها لتطوير ذواتنا، وصعود درجات أعلى في سلم التفوق والنجاح.
حسنا سأتوقف الآن فيبدو أن مقالي إلى هنا بدا يأخذ شكلاً وعظياً خطابياً مملاً، في وقت لا أعتقد أن أحداً فيه يرغب الاستماع إلى المزيد من المواعظ والتأنيب لا سيما أن الخطاب المعرفي لدينا متورط بالوعظية الإنشائية إلى حد كبير سواء على مستوى المدرسة أو على مستوى عام.
لكنني كأم وكأحد أفراد المجتمع.. لا أعتقد بأن العلاقة مع الوقت هي شأن عام يرتبط بالمدرسة فقط، إن تنظيم العلاقة مع الوقت في المنزل لا بد أن تستحث بداخل الأبناء خبرات كامنة كثيرة وتجارب مدهشة من الممكن أن تثرى عبر عطلة صيفية طويلة ممتدة بلا ملامح.
فقضية أن أبعث أطفالي مع المربيات إلى أقرب مطعم للطعام السريع ليمضوا هناك عدة ساعات، وأعتقد بأنني حققت لهم ساعات من المتعة والفائدة عندها أظن أنني ساهمت في المزيد من تورطهم في ثقافة استهلاكية شرهة، أيضاً من ناحية أخرى قضية أن أبعث بهم إلى أي من المراكز الصيفية المتناثرة هنا وهناك والتي يحوم حولها الكثير من علامات الاستفهام والغموض.. أيضاً سيكون هذا منزلقاً من نوع آخر لا يعلم له قرار... يجب أن تمتلك الأسرة ثقافة صيفية مثمرة وجادة، فما رأيكم (تفعيلاً لأبجديات الحوار الوطني) أن نبدأ بها على مستوى الأسرة، ونقوم بعملية تصويت على بعض البرامج المقترحة لاستثمار الصيف، فقط حاولوا أن تستمعوا لاقتراحات أبنائكم، فهي بالتأكيد ستدهشكم.. وستعجبكم..، وبالتأكيد ستفرحكم وأهم من هذا كله لن نجعل مساحات الصيف مسافة طويلة من الملل والعبث واللاجدوى.
|