كلنا مسافرون في رحلة الحياة ولا علم لنا بوقت الوصول وبأي ارتفاع نحلِّق ومتى الهبوط؟ هناك العديد من الدروب التي نسلكها حتى نصل إلى نهاية الطريق بأمن وسلام دون ربط الحزام.
الحياة الزوجية أيضاً لها دروب يجب الإلمام بها والحفاظ عليها. إن العلاقة الزوجية هي بستان كبير به الورود والأشواك بها مواطن الجمال التي تزهو بها الحياة وتسمو وتحلِّق كالطائرة وبها أيضاً الأشواك التي ترغم الطائرة على هبوط اضطراري.
الجمال نعمة من الله وهبها للطبيعة قبل أن يهبها الإنسان، حين تبحث عن الجمال فأنت شخص مقبل على الحياة متفائل كما أمرنا بذلك ديننا الحنيف، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)، الجمال موجود في كل شيء من حولنا والكثير منا لا يشعر به لأن تعوّد الشيء يفقده بريقه، إن كل عاشق للجمال يبحث عنه ويتأمله ويبذل ما بوسعه كي يظل كل شيء من حوله جميلا.
تضطرب كلماتي حين أتحدث عن الجمال الذي وصف به الله في قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله جميل يحب الجمال)، فإذا كان رب العالمين أحب الجمال فكيف بنا نحن البشر لا نوليه الاهتمام!
لا أدري إلى متى يظل الجمال محصوراً في الوجه أو الجسد؟ ألم تتغير مفاهيم الاختيار والمثالية في الجمال نتيجة التطورات التي نلاحقها أم ما زلنا في موروثاتنا القديمة؟ ليس عيباً ولا حراماً أن يكون الإنسان جميلاً ولكن إذا اكتفي بالجمال الظاهر فسوف يأتي يوم ويزول هذا الجمال لأن (دوام الحال من المحال) وإن كان الجمال متمثلاً في الوجه أو الجسد فقط فلما أوجد الله جمال الطبيعة من حولنا من زهور وألوان مختلفة كي لا تمل أعيننا من لون واحد حتى وإن كان أجمل الألوان. قيل إن لكل امرأة جمالاً خاصاً بها فيجب المحافظة عليه والتسلح بأنواع الجمال المختلفة حتى لا تكون لوناً واحداً من الزهور أليس جمال النفس الذي يشرق من خلاله الوجه ويصبح كالندى على سطح الورود جمالاً؟ ألم يكن جمال الطباع في التعامل مع الآخرين بالمودة والرحمة جمالاً؟ هل جمال الأناقة الذي يدل على شخصية من ترتديه أو يرتديه لا يعد جمالاً؟ يا هول جمال اللسان وما ينطق بما يحوي من ثقافة وفكر وإبداع في عقل كل من الرجل والمرأة؟ أستشهد هنا ببيت للدكتور غازي القصيبي:
أتراه عطر خصلاتك
أم عطر حوارك |
اتفقنا أن لا نحصر الجمال في الوجه أو الجسد فقط إذاً الجمال ليس حكراً على المرأة ولكنه أيضاً يخص الرجل وكل صفة جمالية ذكرتها سابقاً تطلق أيضاً على الرجل فلماذا تخص المرأة بالجمال؟ وهنا تحضرني تلك الأبيات حدث بها رجل من قيس عن امرأة توفي عنها زوجها:
أبكي شباباً وحسنا
وصورة وجمالا
وحسن دين وعقل
لقد رأيت كمالا
قد كان والله سخنا
وكان عذباً زلالا
قد كان بعلي كريما
لا يحسن الإذلال |
أليس من حق المرأة أن تجد في شريك حياتها وصديق دربها في رحلة السفر تلك الصفات! أولينا كل شيء من حولنا بالديكور والزخرفة وبحثنا عن أحدث الابتكارات فيها وقيل إن العين تأكل قبل الفم فما بالنا بحق المرأة أن تسر عيناها وأذناها برؤية وسماع شريك العمر في أجمل وأحسن صوت وصورة؟
فلماذا لا يبحث الرجل عن مقومات الجمال أيضاً فتسعد المرأة بجمال زوجها بكل ما تحوى هذه الكلمة من معنى، ويسعد بها الرجل كذلك، وليعلم الرجل أن ما يكره من زوجته هي أيضاً تكره منه ذلك الشيء فليبدأ كل طرف بالوقوف عند مواطن الجمال في نفسه وفي شريكه ولا يبحث عن الجمال المحصور ويطلق نظرة بعد للجمال المطلق حتى نستمتع برحلتنا معاً ونصل إلى نهاية الرحلة بسلام فنبقى دائماً وأبداً بحلو الكلام ولنتذكر العديد من الزيجات السعيدة التي لا نرى بها الجمال المحصور، ولنتذكر هذه النظرية في علم الاجتماع (إن جمال التوافق يؤدي إلى التكافؤ).
|