إن العقل ليعجز عن تصور عظم الجرم، وفداحة المنكر، وشناعة الأفعال التي أقدمت عليها تلك العصابة الضالة، من ترويع للآمنين، وقتل للأطفال، وتيتيم للأبرياء، وترميل للنساء، وتفجير للأبنية، وإفساد للممتلكات، فإن هذه الجرائم الفظيعة، قد جمعت عدة جرائم ومنكرات ومخالفات للشريعة الإسلامية السمحة:
أولها: أن فيها قتلاً للأنفس، وإزهاقاً للأواح التي حرم الله إلا بالحق، يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعا}، ويقول - عزل من قائل-: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
ثانيها: أن فيها تعديا لحدود الله، واعتداء على الآمنين بغير حق، والله تعالى - يقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، وقال تعالى: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}.
الثالث: أن فيها إفساداً في الأرض بعد إصلاحها، والله - عز وجل- لا يحب المفسدين، قال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا}، وقد أخبرنا الله - تعالى - عن فئة ضالة تفسد في الأرض، وتدعي أنها تصلح، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}.
إن مما لا شك فيه، ولا ريب أن هذه الأعمال المنكرة، لو حدثت في أي بلد من البلدان الإسلامية لكانت في غاية المنكر، وفي منتهى الشناعة، فكيف وقد حصلت في بلاد الحرمين الشريفين؟ في البلاد التي ترعى بيت الله العتيق الذي جعله - سبحانه وتعالى - مثابة وأمناً كما قال - تعالى-: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}، في البلاد التي تضم مكة المكرمة التي أقسم الله سبحانه بها، ووصفها بالأمن فقال تعالى: (وهذ البلد الأمين) هذا البلد الذي جعله الله آمنا، كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، وقال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا}، وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} .
ثم كيف يكون جرم هذه الأفعال الشنيعة، وهي تقع في البلد الوحيد في العالم الذي يحكم شرع الله - تعالى - في جميع شؤونه، ويتمسك بكتاب الله - تعالى - ، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- ويتخذهما منهجاً ودستور حياة؟
وكيف يستسيغ مسلم، بل عاقل أن يرتكب مثل هذه الجرائم الشنيعة في بلد قام على منهج الإسلام، وتأسس على هدى منه، يقول خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -في كلمته بمناسبة صدور الأنظمة الجديدة:
(ويتلخص هذا المنهج في إقامة المملكة العربية السعودية على الركائز التالية:
أولاً: عقيدة التوحيد التي تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده لا شريك له، ويعيشون أعزة مكرمين.
ثانياً: شريعة الإسلام التي تحفظ الحقوق والدماء، وتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضبط التعامل بين أفراد المجتمع، وتصون الأمن العام.
ثالثاً: حمل الدعوة الإسلامية ونشرها، حيث إن الدعوة إلى الله من أعظم وظائف الدولة الإسلامية وأهمها.
رابعاً: إيجاد بيئة عامة، صحية صالحة مجردة من المنكرات والانحرافات تعين الناس على الاستقامة والصلاح، وهذه المهمة منوطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خامساً: تحقيق الوحدة الإيمانية التي هي أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافيا.
سادساً: الأخذ بأسباب التقدم وتحقيق النهضة الشاملة، التي تيسر حياة الناس ومعاشهم، وتراعي مصالحهم في ضوء هدي الإسلام ومقاييسه.
سابعاً: تحقيق (الشورى) التي أمر الإسلام بها، ومدح من يأخذها، إذ جعلها من صفات المؤمنين.
ثامناً: أن يظل الحرمان الشريفان مطهرين للطائفين والعاكفين والركع السجود - كما أرادهما الله - بعيدين عن كل ما يحول دون أداء الحج والعمرة والعبادة على الوجه الصحيح، وأن تؤدي المملكة هذه المهمة... قياماً بحق الله وخدمة للأمة الإسلامية.
تاسعاً: الدفاع عن الأصول الكبرى التي قامت عليها المملكة العربية السعودية.)
فماذا تريد هذه الفئة الضالة؟ إن أفعالهم الشنيعة هذه تدل على أنهم يريدون زعزعة الأمن في بلاد الأمن، وزرع الفرقة في بلاد الوحدة، ونشر الفساد في بلاد الإصلاح، وهم بذلك معاول هدم وتدمير، وهذا يستوجب من جميع المواطنين أن يكونوا يدا واحدة في التصدي لهذا الخطر الداهم الذي يستهدف دينهم، وأمنهم، ورخاءهم، ووحدتهم، وأن يلتفوا حول ولاة أمرهم، وتقوية الجبهة الداخلية حتى لا يخترقها العدو، كما يجب على العلماء، والمفكرين أن يبينوا انحراف هذه الفئة الضالة عن الصراط المستقيم، وبعدها عن منهج السلف الصالح، لأن الأصل في الفكر أن يحارب بالفكر، حتى يتبين للناس الحق، وتنكشف حقيقة الفكر المنحرف الضال.
نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ هذه البلاد الطاهرة من كل سوء ومكروه، وأن يديم عليها نعمة الأمن والأمان، والتمسك بالدين والإسلام وأن يحفظ ولاة أمرها، ويوفقهم لما فيه الخير والسداد، ورعاية مصالح العباد والبلاد، إنه سميع مجيب.
* وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للشؤون الإدارية والفنية |