سبق أن قلت إن كُتّاب الجرائد أصبحوا هم الجرائد نفسها، مع أني لم أقتنع أن عدد الكتّاب في الجريدة يزيد من توزيعها، فالجرائد الآن تمتلئ بهذا الخليط العجيب من الكتاب، وقد نصحت كل رئيس تحرير عملت معه بالإبقاء على ثلاثة أو أربعة كتاب ممن يرى أنهم يحققون لجريدته قراء وأن يصرف فلوس البقية على العمل الصحفي. أستطيع أن أدعي أن عدد كتّاب الزوايا الصحفية في المملكة يفوق عدد كتّاب الزوايا الصحفية في الولايات المتحدة والصين مجتمعتين. لا أقول هذا الكلام من باب المبالغة أو السخرية ولكن هذه حقيقة، لم أقم بإحصائية في الصين والولايات المتحدة ولكني تابعت أهم الصحف الأمريكية وسألت كثيراً من الأصدقاء ممن لهم علم بالحياة في الصين. وبإمكان الواحد أن يتحقق من الأمر بأن يطلع على أي جريدة أمريكية ليتأكد أن عدد الكتاب في أمهات الصحف الأمريكية لا يتعدى ثلاثة أو أربعة كتاب وباقي صفحات الجريدة متفرغة للعمل الصحفي. هذه الكمية الهائلة من الكتّاب في الصحف المحلية أوقع رؤساء التحرير في مأزق صحفي. لو قلبت أي جريدة سترى أن التحقيقات الصحفية هي أقل شيء في الجريدة، فالكتّاب نابوا عن الصحفيين في تغطية مهماتهم، فأضر هذا بالعمل الصحفي المهني وبحاجات المجتمع الصحفية، فصارت القضايا العامة تتناثر في زوايا الكتّاب وتختلط بالرأي وبالمسائل الشخصية أيضاً. اختلت الموضوعية التي تسم العمل الصحفي. فرق كبير بين أن أكتب عن الأخطار التي تحدق بالعاملين والمراجعين في مبنى الجوازات بالرياض وبين أن يقوم فريق من الجريدة بزيارة المبنى وإجراء تحقيق صحفي مفصل عن هذه القضية، فكلامي عن الموضوع هو مجرد انطباع ورؤية شخصية سريعة، ربما تعود إلى فوبيا (رهاب) من الأماكن المكتظة فالتحقيق الصحفي سيبين الحقيقة بينما المقال في الزاوية ربما يبين الحقيقة ولكن من المحتمل أيضا أن يسبب شوشرة ما لها لزوم، لكن لماذا انتشرت ظاهرة كتّاب الزوايا في الصحف السعودية؟ هل هي من موروث الأدباء الذين أسسوا الصحف السعودية؟ أم أنها ظاهرة مصرية لبنانية تبنيناها كما هي؟ أم أنها تعبير عن نقص الخبرة في العمل الصحفي؟ أم أن سببها تسابق حملة شهادات الدكتوراه على الكتابة في الصحف لعلها تلفت النظر إلى حضراتهم؟
يقودني هذا الكلام إلى نقطتين مهمتين في ظل سيطرة الكتاب على الجرائد إلى أي مدى يكون الكاتب مسؤولاً عما يقوله، لا أتحدث عن قضايا الرأي وإنما عن القضايا العامة التي يمكن التحقق منها بسهولة، مثل قضيتي مع إجراءات السلامة في مبنى الجوازات، إذا ثبت أن مبنى الجوازات يحقق المعايير الأساسية للسلامة بخلاف ما قلته في أكثر من مقال، ما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الجوازات أو الجريدة، في وقتنا الحالي لا شيء هذا شيء طبيعي، فالعمل الفردي يبقى عرضه للأخطاء، فالكاتب لا يستطيع أن يلم بكل شيء وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يدقق في كل شيء قبل النشر، هذا يفقد الجرائد مصداقيتها، هذه نقطة أما النقطة الثانية التي تشغلني في هذا الموضوع هي مدى التزام الكاتب بقضيته التي تولى طرحها، هل يطرحها مرة واحدة وينتهي الأمر أم يعقب على الموضوع. نرجع إلى موضوعي مع مبنى جوازات الرياض كمثال صارخ على هذه القضية، هل أتناول قضية مخارج الطوارئ في مبنى الجوازات كمشروع أم كموضوع؟ بعبارة أخرى هل أطرح القضية مرة واحدة وتنتهي علاقتي بها أم أتابعها وأكررها وأتناولها في كل الفرص والمناسبات؟ أميل إلى الرأي الأخير.
فاكس: 4702164
|