(... يمكننا تحرير العالم ومن الآن فصاعداً لن يصعد أي صوت فوق صوت أمريكا في العالم) هكذا كتبت جريدة (الواشنطن بوست)، بنفس اللهجة التي تكلم بها (دافيد سكورت) مذيع قناة (فوكس نيوز) المقربة سياسياً وأيديولوجياً من البيت الأبيض.
الحرب المقبلة هي حرب السيطرة على العالم، عبر تمرير رسالة القوة المطلقة لأجل تنصيب (الشرطي الأحادي السيطرة) على الكرة الأرضية من خلال تبرير كل أنواع القوة، وفق الأسلوب الميكيافلي القائل (الغاية تبرر الوسيلة) بيد أن الغاية هي التي طوقت العالم اليوم بكل تفاصيل الحرب اليومية، بالانفجارات وأعمال العنف، وهي التي صنعت من الكرة الأرضية منفى كبيراً، ومع ذلك تسميها الولايات المتحدة الأمريكية: غاية الديمقراطية على الأرض! هكذا يتكلم كتاب (الديمقراطية الأمريكية) الصادر مؤخراً عن منشورات (أرموند كولين) للمؤلف السياسي الفرنسي جون بيير لاسال.
ليس ثمة أدنى شك أن الإصدارات الفرنسية الأخيرة تصب اليوم في نفس الوجهة النقدية، ليس للسياسة الأمريكية فقط، بل لسياسة الغابة التي تحولت اليوم إلى أمر واقع عسكري يحتل الشعوب لأجل (تفعيل) ثقافة السلام والحرية والحب والتسامح التي عمدت أمريكا نفسها إلى قتلها أكثر من مرة. لهذا فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو السبب الذي من خلاله شنت أمريكا حروبها الأولى على العالم: أي باسم الديمقراطية الأمريكية، و هو بالضبط ما كان يدافع عنه (جونسون) و(نيكسون) و(كارتر) و(ريغان) بمعنى أن الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، سواء أكانوا من الديمقراطيين أو من الجمهوريين بيد أن كلتا الكتلتين السياسيتين الأمريكيتين كانتا تتشابه فيما بينها من حيث اعتمادها في الجانب السياسي على ثالوث: السلطة والمال والقوة العسكرية وفي الجانب الانتخابي على أصوات اليهود عبر تدليلهم والمشي خلف رغباتهم التدميرية المعروفة، يقول الكتاب.
ومع ذلك يظل السؤال الأهم هو: ما معنى الديمقراطية؟ أو لنكن أكثر دقة فنسأل: ما معنى الديمقراطية الأمريكية الراهنة؟
الأمريكيون يحاولون منذ نهاية التسعينات إقناع العالم أن التوجه نحو الديمقراطية الدولية هو في النهاية حالة حتمية من حالات الإصلاح الذي بموجبه تتحقق استراتيجيات التوازن الإنسانية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولكن، ليس هذا هو الهدف الحقيقي، لأن الإدارة الأمريكية التي أوصلت الصقور إلى البيت الأبيض في عام 2001 كانت تسعى إلى تحقيق توازن من نوع آخر، توازناً مختلفاً تماماً عن المفهوم الإنساني أو حتى الفكري للديمقراطية.
لأول مرة يستخدم السياسيون ديباجة أبطال هوليوود، وطريقتهم في صياغة الأفلام التي سلبت لب الملايين من شباب العالم الذين وضعوا نصب أعينهم الأسلوب الأمريكي الأمثل في الحرية والحياة والقوة المطلقة التي تصل إلى حد صياغة القانون الخاص وفق حاجة البطل للقانون نفسه!
هذه هي السينما الأمريكية التي صنعت أدوارها من داخل البنتاجون نفسه، في سلسلة من الأفلام التي ظهرت بالتحديد منذ 2001 والتي كانت تدافع عن القوة الأمريكية المطلقة وعن البطل الأمريكي الأحادي و الكارزماتي الذي لا يقهر ولا يموت!
كانت ثمة العديد من القواسم المشتركة بين الأسلوب السياسي الأمريكي على أرض الواقع والأسلوب السينمائي الهوليودي الذي تبنى وباستمرار ذلك الهدف نفسه: أي بناء أيديولوجية الديمقراطية على الطريقة الأمريكية، والتي تدخل فيها القوة للفصل النهائي حيث لن يكون هنالك شيء أعلى من الصوت الأمريكي ولا أقوى من البطل الأمريكي، يقول الكتاب.
ربما كانت تلك الصورة تستهوي الكثيرين قبل أن يصطدم العالم (بالغول الأحادي) الذي راح يأكل الآخرين باسم العدالة الاجتماعية، والحرية والتمدن!
العالم اكتشف أن المجتمع الأمريكي يعيش على كل أنواع التناقضات، ينخر عظامه مرض الإيدز الذي هو في النهاية نتيجة الحرية (اللا أخلاقية)، وهي حرية الجنس الذي يوازي الفساد تماما.
فالتحرر الجنسي الأمريكي أوصل أكثر من 10 ملايين مصاب رسمياً بالسيدا، ناهيك على عدد الذين يحملون المرض. ثم كانت الصدمة التي تصادمت مع الأعراف الدولية. صدمة تمرير ورقة الحرب من على مائدة الأمم المتحدة التي لأول مرة وبشكل علني استطاعت أمريكا أن تلغي مصداقية الهيئة الأممية وتمسحها بقلم رصاص، ثم صدمة القوة العسكرية المطلقة التي أباحتها أمريكا لنفسها لقهر واحتلال الشعوب.ربما كانت تلك الصدمة تتزامن مع المواقف السلبية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي صوره وبشكل مباشر التواطؤ الأمريكي الرسمي مع إسرائيل ضد شعب له الحق في أرضه وأمنه وحريته.
كانت الكذبة الأمريكية الكبرى هي أن (الديمقراطية الإسرائيلية) هي الديمقراطية الفاعلة في المنطقة، لهذا لم يكن العالم بحاجة إلى منظار سحري ليفهم اللعبة التي تلعبها الإدارة الأمريكية في العالم، ليس لأجل تحرير الشعوب من أنظمتها الفاسدة كما تقول بعض الأبواق الأمريكية، بل لأجل احتلال تلك الشعوب باسم الديمقراطية التي اغتالتها التصرفات الأمريكية أكثر من مرة وفي أكثر من مكان.ولعل الصدمة العراقية كانت الأبشع والأقصى بفعل الطريقة والأسلوب والنوعية التي بادرت بها الإدارة الأمريكية إلى حماية نفسها (من الإرهاب الخارجي) بعد أحداث سبتمبر2001! كل هذا باسم الديمقراطية أيضاً، يقول الكتاب.ديمقراطية الفساد في كل صورها هي التي تسعى أمريكا اليوم إلى تحويلها إلى الغرب بالخصوص وقطعاً إلى بقية شعوب العالم الثالث.
أوروبا اليوم أمام خيار الحرب النفسية، لأن أمريكا لن تسمح بشرطي آخر غيرها ولأن كل العالم مشروع (عبد من عبيد الرجل الآلي) تماما كما تصوره سينما هوليود في فيلم (القوة الرهيبة) الذي شكل النقطة الأساسية من فيلم الاحتلال الأمريكي للعالم، يقول الكتاب.
الكتاب: LA DEMOCRATIE AMERICAINE
المؤلف: JEAN-PIERRE LASSALE
الناشر: ARMAND COLIN
افتتاحيات الصحف .....................
|