تشرفت بقبول دعوة الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير.. إلى ملتقى أبها الثقافي الذي اشتمل على عدد من النشاطات الثقافية أهمها ندوة فكرية عن المنهج الخفي والمنهج المعلن.. وقد استمتع الحضور بطرح هذا الموضوع المهم والجريء، وذلك من خلال ورقتين رئيستين للأستاذ الدكتور حمزة المزيني والأستاذ الدكتور محمد الخطيب، وكذلك من خلال مداخلات تعقيبية مهمة من كل من الدكتور علي الشعبي والدكتور عبدالله الفوزان والدكتور طلال بكري والأستاذ خالد السيف.. وجاءت مداخلات كثيرة من الحضور.. وانتهز هذه الفرصة الكتابية لتأكيد بعض الملاحظات التي أبديت بعضها في تلك الندوة أو ملاحظات تعكس بعض مداخلات الحضور.. وفي البداية أرى أن الندوة كانت قوتها في طرح أسئلة دون أن تكون هناك إجابات لهذه الأسئلة.. ولهذا جاءت الندوة على شكل ثورة من الأسئلة الكبرى والصغرى والكلية والجزئية في هذا الموضوع.. ولا شك أن اختيار الموضوع بهذا العنوان المثير هو الذي فجّر هذه الأسئلة.. وبطبيعة الحال لم يكن أحد مستعداً لتقديم الإجابات الشافية.. وأسرد بعض الملاحظات التي تتسم بالعمومية، وهي في مجملها في نطاق أسئلة ثائرة في زحمة الكم الهائل من الأسئلة التي فجّرتها هذه الندوة..
1- أي موضوع أو قضية ينبغي أن تكون مبنية على فرضيات مستقيمة في المنطق وعلى أرض الواقع.. وفي رأيي أن الهيكل العام الذي تم بناؤه من خلال التصورات المطروحة والجدليات المعروضة كانت مبنية على فرضيات لم تكن نهائية، مما قد يستدعي سقوط بعض هذه الجدليات.. وعلى سبيل المثال.. فالفكرة الرئيسة التي نستنتجها من الندوة أن هناك محاولة لربط الإرهاب بالتعليم.. وهذه في نظري فكرة لا تستقيم مع الواقع.. ونذكر هنا أن هذه القضية بالتحديد هي التي غذت الحملات الإعلامية التي اعتمدت عليها وسائل الإعلام الغربية والأمريكية بشكل خاص.. واليمين الأمريكي المتطرف هو الذي قاد مثل هذه الأفكار إلى وسائل الإعلام الأمريكية.. وكنا نحن بعض أساتذة الجامعات والإعلاميين عندما نلتقي بالوفود الإعلامية التي تأتي إلى المملكة تكون هذه القضية هي المحور الأول في النقاش.. فيريدون أن يقولوا إن أحداث 11 سبتمبر والعمليات الإرهابية هي في الأساس ثمرة لمناهج التعليم في بلادكم.. وهذه مغالطة كبيرة وخطأ فادح في التحليل السياسي والاجتماعي لهذه القضية.. وكنا نقول ونؤكد دائما لهذه الوفود إن العناصر الإرهابية التي تحدثوا عنها لم تكن صنيعة التعليم والمناهج في المملكة، ولكنها كانت نتيجة عمليات غسل الأدمغة التي تمت في أفغانستان بشكل خاص، أي أن هؤلاء السعوديين رغم أنهم تخرجوا من مدارس وجامعات سعودية إلا أنهم تعرضوا لعمليات إقناع مركزة غيّرت مفاهيمهم وغسلت أدمغتهم.. ونواصل دفاعنا عن نظام التعليم بالقول انه إذا استقامت المقولة التي يدعونها عن أن نظام التعليم في المملكة هو الذي خرّج هؤلاء الإرهابيين، فيمكن القول إننا نملك الآن داخل المملكة أكثر من 12 مليون إرهابي وهم سكان المملكة السعوديون، فهؤلاء تخرجوا من مدارس وجامعات سعودية.. وقد حاولت بشكل غير مباشر ندوة ملتقى أبها أن تعطي صورة قريبة من الصورة التي تطرحها بعض هذه المقولات.. وصحيح أن الربط لم يكن بين التعليم والإرهاب الدولي، ولكن التعليم والإرهاب المحلي، إلا أننا نضيف أن معظم هؤلاء الذين شاركوا في العمليات التفجيرية داخل المملكة كانوا هم نتاج أفغانستان بدرجة رئيسية، أي انهم لم يكونوا نتيجة المدارس التي تعلموا فيها، بل نتيجة عمليات غسل الأدمغة التي تعرضوا لها في بيشاور أو كابول أو تورا بورا.. وقد فاجأتني الندوة أن هذه المقولة التي كان يرددها اليمين المتطرف وكنا نرفضها جملة وتفصيلا، بدأنا بعد فترة نتقبلها، ثم نتفاعل معها، ثم أخيراً ندافع عنها..
2- لم تعرض الأوراق العلمية أو المداخلات الرئيسة أي نماذج واضحة لآليات وأدوات المنهج الخفي غير تلك التي نعرفها على أنها جزء من المنهج اللاصفي.. أو النشاط اللاصفي.. وهذا المنهج وصمته هذه الندوة بكونه منهجا خفياً ينبغي - ضمنياً - التشكيك فيه وحذفه واستبعاده من مدارسنا.. وهذه في نظري انتكاسة كبيرة للنظام التعليمي في بلادنا.. فبدل أن نطور أدواته وننمي مهارات وأفكار طلابنا، سنسعى بتبنِّي مثل هذا الطرح إلى إغلاق فكر الطلاب وحجرهم على أوراق وكتب يتم تلقينهم إياها.. ونحن نعلم ان تحويل اسم وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم جاء نتيجة الرغبة أن تبدأ المدرسة في تربية النشء تربية إسلامية وطنية علمية واعية.. وهذا لا يتأتى بدون أن تكون هناك مناهج لا صفية وبرامج ونشاطات واسعة داخل المدرسة وخارجها.. ولهذا فكأنني استشف من الصورة التي حاولت هذه الندوة تكوينها أن هناك جهودا لتهميش هذه النشاطات واستئصالها من المدارس.. وقد لمست هذا أكثر لدى بعض المداخلات أكثر من الأوراق المطروحة في الندوة.. وكنت أتمنى أن يكون محور النقاش في هذه النقطة بالذات ترشيد وتوجيه النشاطات اللاصفية أو ما أسمته الندوة بالمنهج الخفي بحيث يكون المضمون والرسالة هو مصدر القلق وليس الأداة أو الوسيلة.. ولهذا فقد عبّرت عن قلقي في هذه الندوة أن هذه الفرضية أيضا لم تكن مبنية على أساس علمي أو دراسة منهجية.. بل إنه مجرد حالة شكية انطلقنا منها وحاولنا من خلالها أن نحاكم المدرسة ونوجه كل التهم إليها بدون فلترة أو تمعن أو تمحيص.. وهنا تكمن الخطورة..
3- الثنائية التي طرحتها الندوة.. المنهج الخفي والمنهج المعلن، كأنه يسعى إلى تأكيد الانتباه إلى المنهج الخفي.. وقد يكون في هذا تخدير لنا وإغفال واضح للمنهج المعلن والمقصود به المنهج الصفي، والذي نتفق جميعا على أنه يحتاج إلى تطوير وتعديل وتحديث.. فاهتمام الندوة بالمنهج الخفي قد يعطل اهتمامنا بالمنهج المعلن.. وهذه مهمتنا القادمة في مشروع التنمية السعودية المتواصل..
وختاماً، أشيد بالفكر التنويري الذي طرحته هذه الندوة، والرغبة المخلصة لدى القائمين عليها تنظيماً وبحثاً ومداخلة وحواراً ونقاشاً.. وهذه أسئلة جديرة بالطرح والمساءلة وخصوصاً ونحن في خضم تموجات إصلاحية كبيرة في بلادنا.. ولكني فقط أريد أن أضع هذه الفكرة في إطارها العام الذي ينبغي ان نضعها داخله.. وفي سياقها الزمني للمشكلة.. وأخشى أن تغذي مثل هذه الندوة مزيداً من اشتعال الحملة التي تقودها وسائل الإعلام الغربية، ونصبح مساهمين في قذف الحطب إلى نيران هذه الحملة، التي نحاول جميعاً دولة وأفراداً ومؤسسات ان نوقفها أو نعطلها لأنها أثرت على صورتنا وأوضاعنا الداخلية والخارجية.
( * )رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال.
- أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود.
alkarni@ksu.cdu.sa |