الحمد لله الذي جعل باب التوبة مفتوحاً إلى يوم القيامة، والحمد لله الذي أنزل في قلوب عباده المتقين الرحمة كي يتراحموا بينهم ويقبلوا المخطىء منهم إذا أناب وثاب إلى رشده، ونحن في هذه الأيام وفي هذا البلد المبارك نسمع ونرى ما صدر من ولاة أمرنا في هذه البلاد من عفو عام مدته شهر كامل لكل من غرر به من أبناء هذه البلاد فخرج على أمر قيادتها وأثار الخوف والرعب والذعر في نفوس الآمنين فيها.. كل ذلك نتيجة أفكار خارجية عشعشت في أدمغة هؤلاء الفتية الذين لا يدركون عواقب الأمور ولا يشعرون بمدى خطورة ما وقعوا فيه من جرم عظيم عند الله قبل كل شيء وعند كل غيور على هذا الدين حريص على أمن هذه البلاد التي هي بيضة الإسلام وحماه، لقد وقع هؤلاء في جرم خطير ولكن فتح باب التوبة لهم في الرجوع إلى حضن هذه البلاد الأم الرؤوف لهو أمر جدير بالاستفادة منه من قِبل هؤلاء قبل أن يغلق الباب دونهم ودون الرجوع الى الحق.
إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالرغم من شدة أذى قريش له ولأصحابه أصدر عفواً عاماً عندما فتح مكة ليفتح بذلك صفحة بيضاء جديدة حينما قال (لا تثريب عليكم اليوم) وقال (من دخل المسجد الحرام فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) فاستفاد من هذا العفو العام كل العقلاء من قريش لذا أهيب عبر هذه السطور المتواضعة بهؤلاء الفتية أن يثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى جادة الحق ويتركوا التمادي في الباطل لأننا ما زلنا ولله الحمد نعتبرهم إخوانا لنا في الدين وأبناء لنا من حقهم علينا ان نسدي لهم النصيحة لكي يرجعوا إلى جادة الصواب. وهذا العفو من ولي الأمر - حفظه الله - لم يأت نتيجة ضعف أو هوان إنما أتى نتيجة حرص وشفقة على هؤلاء ومعذرة أمام الله عز وجل يوم القيامة، فقد تواترت نصوص الشريعة بوجوب السمع والطاعة لإمام المسلمين وعدم الخروج عليه مهما كانت الأحوال ما لم يأمر بالكفر البواح، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة).
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قال: (قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فأسمع وأطع) رواه الإمام أحمد ومسلم.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم قال: لا، ما صلوا) أي ما داموا يقيمون الصلاة. رواه الإمام أحمد ومسلم.
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا (أي تفضيل) وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً (أي ظاهراً) عندكم من الله فيه برهان). رواه البخاري ومسلم.
والنصوص الشرعية في وجوب طاعة الإمام في غير معصية الله وعدم جواز الخروج عليه كثيرة جداً في الصحيحين وغيرهما.
اقول هذا لأن بعض شباب المسلمين - هداهم الله - يجهلون أمثال هذه النصوص أو يتأولونها في غير محلها الصحيح الذي نص عليه أهل العلم، لذا أحذر جميع أبناء المسلمين في هذه البلاد وغيرها من الاغترار بمن يزجون بهم في أتون حروب مستعرة تقضي على الرطب واليابس في بلاد المسلمين وأدعوهم إلى التروي والحكمة والدعوة بالتي هي أحسن كما قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وكما قال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حينما أرسلهما إلى فرعون الطاغية: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
وكما هو المعهود في سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم في تعامله مع خصومه في الدعوة من المشركين من كفار قريش وأهل الكتاب والمنافقين وغيرهم حيث كان يتعامل معهم بالإنصاف والعدل وعدم الجور، وفي سيرة الصحابة رضي الله عنهم الكثير من ذلك فها هو الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفع السيف في المعركة على أحد المشركين فيبصق عليه ذلك الرجل ثم يرد السيف ويتنحى عنه ليقتله غيره فلما قيل له لماذا تركته؟ قال: إنما كانت الأولى لله فلما بصق عليّ خشيت أن تكون الثانية انتقاماً لنفسي فرفعت السيف عنه. انظروا إلى هذه الشفافية العظيمة من أمير المؤمنين كيف خشي أن يكون قتل هذا المشرك انتقاماً لنفسه على الرغم من أنه في المعركة.
وختاماً أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يجعلنا أخوة في الدين متحابين وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
|