* الرباط - خاص - الجزيرة :
عاشت الرباط, العاصمة الإدارية للمغرب, عرسها الثقافي المتمثل في الدورة العاشرة لمهرجان الرباط الدولي في الفترة الممتدة ما بين 21 يونيو و 10 يوليو 2004، وطرحت عشرية المهرجان العديد من الأسئلة المتعلقة بمسار دورات امتدت بشكل متواصل منذ سنة 1995 وهي السنة التي شهدت مولد حلم جميل في كنف المجالس المنتخبة بالرباط انطلاقا من الطابق الرابع لبناية ولاية الرابط حيث يوجد مجلس عمالة الرباط التي كان يترأسه حينذاك وزير التعليم السابق وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي السيد خالد عليوة, ليأتي بعده الاستاذ عبدالحق منطرش الرئيس الحالي للمهرجان ورئيس جمعية مهرجان الرباط التي تأسست على خلفية الحفاظ على مهرجان الرباط, وألا تضيع الفكرة مع تبادل الكراسي بين الهيئات السياسية المنتخبة.
ومن هذا المنطلق يرى رئيس المهرجان ان المهرجان حافظ على كل ثوابته التي أنشئت من أجلها وهي رعاية المنتخبين والقرب من الساكنة وإشراك المجتمع المدني ودعم الإبداع الوطني وتكريم المبدعين المغاربة, وأكد عبد الحق منطرش أن الرعاية الملكية لهذا المهرجان هي اختيار استراتيجي لجعل المهرجان محطة ثقافية مهمة على غرار باقي التظاهرات العالمية.
وفي منوال تساؤلاتنا حول هذا الإصرار على الاستمرارية, نجد جواب رئيس المهرجان يؤكد أن الاصرار على مواصلة هذا العرس الثقافي والفني الكبير هو نابع من الدور الذي يمكن للثقافة أن تلعبه في التنمية البشرية وفي صناعة الإنسان المغربي القادر على مواجهة التحديات ومحاربة كل أشكال التطرف ومعانقة كل أشكال الحرية والابداع.
وتشارك في المهرجان 37 دولة من مختلف الأقطار العربية والمغاربية والدولية وهي: أفغانستان, الجزائر, أرمينيا, بلجيكا, إيطاليا, العراق, اليابان, الأردن, الكويت, لبنان, ليبيا, موريتانيا, المارتينيك, المكسيك, باكستان, فلسطين, بولونيا, البرتغال, قطر, رومانيا, روسيا, السنغال, سوريا, السودان, تونس, الولايات المتحدة, فنزويلا, والوني بروكسيل.
وحول هذه المشاركة الدولية يقول مدير المهرجان الاستاذ حسن النفالي:إنه من ثوابت المهرجان الانفتاح على العالم العربي والأجنبي والبحث في مختلف القارات عن تواصل ثقافي وفني, ومن هذا المنطلق كان حضور العديد من الدول بفعاليات ثقافية وفنية متنوعة, ويخضع هذا التنوع لمفهومنا للجودة في الانفتاح الثقافي, إذ المشاركة الدولية ليست مشاركة بروتوكولية أو سياسية وإنما مشاركة تنافسية ولهذا فمواد المهرجان هي مواد نوعية والفعاليات المشاركات تخضع لمقياس العطاء والتاريخ الفني والثقافي الفاعل.
وتتوزع هذه المواد المتنوعة على فضاءات تندرج في فضاء السينما وفضاء الشعر المتوسطي, وفضاءات المسرح والأغنية.
ولا تدخل في نطاق دائرة الرباط, بل تتعداه هذه السنة لتدخل في نطاق جهة الرباط سلا زمور زعير. وعن هذا التحول يقول مدير المهرجان: ننفتح هذه السنة على الجهة, بعدما حاولنا في الدورات السباقة دون ان نقوم بذلك, وهناك صدى لهذا الانفتاح في تمارة وتيفلت وسلا وهذا الانفتاح سيحمل مستجدات أخرى ومفاجآت في دورات مقبلة.
وضمن التنوع الذي اختارته الدورة العاشرة, والذي تشكل منطلقه في الدورات السابقة, تتمتع الموسيقى المغربية والعربية والأجنبية بحضورها الملفت لتغطي جميع الفضاءات مناشدة من المنظمين لثقافة القرب. فكان لجمهور الرباط لقاء متميز مع وديع بشارة يوسف جبرائيل الذي يغطي ذاكرتنا بأعماله المتميزة تحت اسم (وديع الصافي) الغني عن التعريف, والذي غنى لجمهوره العربي بوجع القلب والذي انعكس مرارا دموعا في عيني فنان غنى لكبار الملحنين وكتاب الكلمات أمثال الأخوين رحباني وزكي ناصيف وآخرين.
ولم يكن اللقاء مع وديع الصافي نهاية لقاء جمهور بفنان بل كان بداية للقاءات أخرى مع الفنان الياس من لبنان وعبدالهادي بلخياط ونعيمة سميح في عمل مشترك, وأحمد الغرباوي, وعبد الواحد التطواني وآمال عبد القادر ومحمد الغاوي ومحمود الإدريسي ومريم هلال من المغرب, ومحمد البلوشي من الكويت في عمل مشترك مع الفنانة المغربية نادية أيوب بعنوان (ما أنا كاذب) وهو عمل من لحن أحمد العلوي وكلمات الفنان أحمد الطيب لعلج.
وعمل المهرجان هذه السنة على توحيد السهرات, الشيء الذي سماه, مدير المهرجان جوابا عن سؤال وجهناه له حول أهمية هذا التوحيد, بالحفلات الموضوعاتية, إشارة إلى ليلة الأندلس, وليلة الملحون والليلة الأمازيغية وليلة الأغنية الشمالية, وقال حسن النفالي: إن البحث عن وحدة الموضوع هو الذي أدى إلى تفكيرنا في خلق زواج بين عبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح وهو تقليد سنعمل على الاشتغال عليه ضمن مخططاتنا التنظيمية للدورات المقبلة.
وضمن ثوابت هذه المخططات حرصت إدارة المهرجان على تنظيم السهرة الشبابية التي حضرها مصطفى قمر من مصر وإليسا من لبنان.
وللإشارة فإن الصفة الشبابية حاضرة في باقي السهرات, كسهرة الأندلسي التي قدمها جوق شباب الأندلس, وليلة الملحون التي حضرها الجيل الجديد في خارطة الملحون كفن مغربي أصيل وهو الجيل الآتي من مختلف المناطق المغربية: فاس ومراكش وتافلالت وأزمور,واستطاع أن يرسخ حضورا متألقا وصنع لحظة توهج مشترك تمتزج فيها الكلمة الشعرية بالايقاعات والمقامات الصحراوية والغرناطية مؤثثة بخلفية راقصة لفرقة عيساوة. ناهيك عن السهرة المغاربية التي يشارك فيها هذه السنة هرم من أهرام الموسيقى العربية الفنان رابح درياسة من الجزائر الذي يحفظ المغاربيون أغانيه عن ظهر قلب ومن أغنياته (كولها الممرضة) (النخلة) (مريم العذراء) وهو فنان عصامي ذو موهبة فذة, إضافة إلى نجوى محمد من ليبيا وعدنان الشواشي من تونس وعائشة بنت شيغالي من موريتانيا وسمية عبد العزيز من المغرب.
ووسع المنظمون هذه السنة من دائرة المشاركة المسرحية حيث وصلت إلى أربعين عرضا مسرحيا منها خمسة وعشرون عرضا مغربيا والباقي من دول عربية وأجنبية, من سوريا وتونس والأردن ولبنان إضافة الى فرنسا ورومانيا واسبانيا.
كما ركزت الدورة على مسرح الطفل سعيا منها - حسب تصريح مدير المهرجان - لاستقطاب أجيال مستقبلية لقاعات العروض المسرحية.
وعلى مستوى الأدب والنقد أقيمت الدورة الثالثة للشعر المتوسطي التي تندرج تحت مظلة المهرجان بتنسيق مع اتحاد كتاب المغرب, شارك فيها أربعة عشر شاعرا من حوض البحر الأبيض المتوسط وثلاثة ضيوف من خارج دائرة الحوض, من الولايات المتحدة الأمريكية وفي ورقة تقديمية لمساهمة اتحاد كتاب المغرب في مهرجان الرباط الدولي, اعتبر الاتحاد المهرجان لحظة ثقافية بامتياز, تجعل هذا الأخير ينخرط فيها للتواصل أكثر مع المحيط الثقافي الوطني, وقياس الفعل الثقافي في مسافاته من جهة ثانية.
وللإشارة فإن مشاركة الاتحاد تجاوزت دورة الشعر المتوسطي, لتنخرط في دائرة التكريمات بتكريم القاص المغربي ادريس الخوري وكذلك عقد ندوة حول قضايا وأسئلة المسرح تحت عنوان (أي مسرح في عالم اليوم), شارك فيها باحثون من الأردن وتونس وسوريا والمغرب, وسعت الندوة إلى خلخلة اليقين النظري والمعرفي والجمالي والثقافي بالنسبة لفن راسخ في تقاليدنا الثقافية ويحتاج دوما إلى مزيد من المقاربات والنظريات.
أما فيما يخص السينما فإن الدورة الخامسة التي تنعقد تحت معطف المهرجان تنبني على فلسفة عرض مجموعة من الأفلام العربية والأجنبية, تخرج عن نطاق الفيلم التجاري وتندرج في إطار مسابقة جائزة الحسن الثاني السينمائية.
وفي تصريح لنا, أكد مدير الدورة الخامسة لمهرجان السينما الاستاذ حمادي كيروم, أن الهدف من هذا الاختيار هم تغيير رؤية المشاهد المغربي حول مفهومه للسينما السائدة نحو سينما مغايرة, وأكد أن الجمهور سيعشق هذا اللون الذي يسعى إلى تقديم سينما الأفكار عوضا عن سينما القصة والمتعة وأضاف: أن السينما هي أداة فكرية قبل كل شيء, ولقد بحثنا عن هذه الأداة في مختلف القارات من أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
ورغم ان للنقد السينمائي وجهات نظره المختلفة حول أنواع السينما وطرق المخرجين وكتاب السيناريو في تلوين أعمالهم, فإن حضور بعض الأفلام من مختلف القارات أكد لنا النهج الاستراتيجي المهم الذي اتبعته هذه الدورة في اختيار الأعمال المشاركة, وللإشارة فإن هذه الأعمال حديثة ويتراوح زمن انتاجها ما بين 2003 و 2004
وحول أهمية هذه المشاركة يقول رئيس المهرجان السيد عبد الحق المنطرش إن النجاح الذي عرفته الدورات السابقة والصدى الكبير الذي حققته المسابقة السينمائية الدولية لمهرجان الرباط في الأوساط والمهرجانات العالمية, أصبح يفرض علينا أكثر من أي وقت مضى وخصوصاً في ظل الظرفية الدولية الدقيقة الحالية العمل على أن يستمر هذا المهرجان, فضاء وملتقى لتلاقح الثقافات والحضارات ونبذ العنف والانتصار لقيم الجمال والسلم والحرية والتعايش.
وكرمت الدورة العاشرة مجموعة من الرموز الفنية والثقافية من داخل المغرب خاصة نذكر الإعلامي والكاتب عبد الله شقرون, والقاص ادريس الخوري, والفنانين عبد الواحد التطواني وأحمد الغرباوي والممثلة فاطمة بلمزيان, والسينمائي مصطفى الدرقاوي.
واشتغلت هذه الدورة على منطق الشمولية وتأتيت الفضاءات وتنوعها, فكان لحضور المعارض التشكيلية من داخل المغرب ومن خارجه لونها الثقافي المستقطب لعشاق هذا الفن, إضافة إلى معارض أخرى للأزياء والكتب والصناعة التقليدية.
ولم تغب الورشات عن خيمة المهرجان الثقافية لتلقي بأسئلتها المهمة حول الكتابة السينمائية والمسرحية وفنون اخرى تحتاج إلى تعميق النقاش وترسيخه.
وضمن 37 دولة, لم تشارك من الدول الخليجية سوى دولة قطر, الشيء الذي أثار تساؤلا حول هذا الغياب لعديد من دول الخليج التي تتميز بفنون تتداخل في تركيبتها مع العديد من مناطقنا في المغرب وخاصة الجنوب.
وجاءت مشاركة الكويت بدعوة خاصة إلى الفنان محمد البلوشي لارتباطه بعمل مشترك مع الفنانة نادية أيوب, ويرى المتتبعون ان شبه الغياب لدول الخليج راجع بالأساس إلى عدم التنسيق بين المؤسسات الثقافية الحكومية وغير الحكومية في حين يقول البعض إن الأسباب تعود إلى المسافة الجغرافية.
ويرى رئيس الوفد القطري ان السبب راجع إلى كون دول الخليج تتحفظ في مسألة الدعوات الآتية عبر الجمعيات, خصوصاً وان مهرجان الرباط تنظمه جمعية الرباط التي يبدو ان ثقل مهرجان الرباط يفوقه امكانياتها.
وعن المشاركة القطرية يرى السيد فرج السويدي أنها دعم صريح وواضح من دولة قطر للعلاقات الثقافية المغربية القطرية, وألح على ضرورة تقوية العلاقة مع الخليج على المستوى الثقافي, لأنه هو المستوى الذي بإمكانه أن يقوي مستويات أخرى.
|