* عمان - الجزيرة - خاص:
نقل الشاعر سميح القاسم جمهور الشعر، من اجواء (الافتتاح) إلى فضاء الشعر، وطاف بهم في حقول أوجاعه من (بغداد) إلى ( الجزائر) واشركهم في (تغريبة بني سميح).
وظهر القاسم، في الأمسية التي انطلقت في مركز الحسين الثقافي ضمن مهرجان الشعر العربي التي نظمها بيت الشعر الذي صعد إلى المنبر متكئا على الشعر، وحاملا بيده (عكازا) خشبيا - ربما على سبيل الاحتياط - صاحب روح مرحة، وميالا للتواصل مع جمهوره، ولكنه - بالمقابل - كان سريعا في تقمص قصيدته والجرى على منوال نبرتها المرسلة.. غاضبا حينا، منفلتاً في انفعاله، احيانا، وهادئ النفس والبال، رخي الصوت في أحيان اخرى، وان كان الشعور بالمرارة وخيبة الامل ازاء بعض احداث الواقع العربي، كان يظل محافظا على حضوره.
وحرص على أن يبدأ امسيته الشعرية، بتهنئة الأردنيين بعيد الاستقلال، والحق بالتهنئة، تعبيره عن مشاركته شعبه الفلسطيني امانيه بالتحرر والاستقلال، كما استذكر القاسم، في تأكيده على معاني التهنئة (التي رأها ضرورية وإن لم يتح له تقديمها في موعدها) الروابط التي تشده إلى الأردن، وفي اول ذلك، انه شهد النور في مدينة الزرقاء، ومن مواليدها.
وكان القاسم قد استهل امسيته الشعرية، بقصيدة (بغداد)، التي حملت صدى الزلزال الجسيم الذي هز المنطقة، ووضع عاصمة العباسيين في قائمة المدن المنكوبة، وهي القصيدة التي وظف فيها الشاعر الصفحات العاصفة من تاريخ المدينة عاصمة الثقافة العربية الإسلامية الأبرز، ومضت قصيدة (بغداد) في نبرتها العتابية المريرة، لتنتهي بتكرار القائي، متعالي الصدى، يعكس فداحة الخسارة والفقد:
بغداد أنت
ولكن..
أين بغداد..؟
واستطاع القاسم الذي قدم قصائده بإلقاء تمكن سريعا من ضبط القاعة، على غير ما اوحى (عكازه) الخشبي من توقعات، أن يترجم ما احتوت عليه شعريته من مخزونات انفعالية، بنفس عميق وبصوت يحفر ذبذباته القوية في صمت مطبق، متيحا لجمهوره التعبير عن استحسانه، بين الفينة والفينة، مستعينا بوقع الالقاء وبالنبرة الانفعالية.
واصر على اخلاء المنبر، معلنا استضافته لمساهمة شعرية قصيرة يختارها، واشار موضحا لجمهوره، أنه يفعل ذلك (ليس لمجرد الراحة، ولكن جريا على عادة، أتمسك بها، بأن أستضيف شاعراً من شعراء البلد الذي أكون فيه) واضاف القاسم:( وبحضور جبل عمان) - حيدر محمود، وهو بحق (جبل عمان)، استضيف الشاعر المبدع حبيب الزيودي.
وفي مساهمته الشعرية القصيرة، اختار حبيب الزيودي من ذاكرته (منازل أهلي) وبعضا من قصائده القصيرة، التي تتباسط في لغتها، دون الخروج عن عباءة الفصحى، لتؤسس ايقاعا محلي الطابع والنكهة.
وعاد القاسم، من بعد، الى قراءة اسئلة الذهول التي تعتقت في الشارع العربي، في سياق قصائده، في ومضات خاطفة، تنقل الاسئلة من ذبول الذهول، إلى الوقع العالي لاكتشاف الواقع وادراكه، كما في ( وهل يمد مغيثا طالب المدد) او تتابع في لبوس من الاستنكار كما في خطابه الموجه لبغداد: لم ازدهرت وبيد الشرق قاحلة؟! او في تصوير خبري مؤثر، كما في القصيدة الجزائرية سألت عنهم، فلم أعثر على احد، وقيل لي رحلوا عنها الى الأبد.
وكان الزيودي، قد قدم الشاعر القاسم، مشيرا إلى أهمية تجربته الشعرية، وفرادته كشاعر (كبير وعتيق) نذر حروفه لقضيته، واقسم بالحرف ان يسوق النار من كل طريق، وتوحد مع الشنفري في جهات الريح، على الثأر ممن استبعد الانسان واستبد بحقه بالحرية.
|