عاش صدام محباً للكاميرا وأضوائها فكانت تظهره في أحسن ما يريد أن يظهر به متجاوزة كل جرائمه لتظهره على أنه القائد المهيب العظيم! لكن منذ سقوط بغداد وبالتحديد منذ وقع في الحفرة التي حفرها لنفسه منذ أن بدأ مشوار الرئاسة وكان قد أوقع فيها الكثير من الأبرياء قبله، تنكرت له الكاميرا مثلما تنكر له المطبّلون والمادحون والمنافقون ومن كان يمنحهم العطايا والهبات! في تلك الحفرة جاءته كاميرا أمريكية رصدته لتسلط عدستها عليه هذه المرة متشمتة فيه وهو مضطجع تحت أقدام عسكري أمريكي بعد أن سحبه من حفرته بشكله المزري وملابسه الرثة التي لا يمكن تصديق أن صدام سيرتديها حتى ولو سكن الحفرة! تم انتشاله من حفرته التي لم يعرف سرها حتى الآن لكن الكاميرا لاحقته لتدخل إلى شعر رأسه وفمه وشعر لحيته الكثّة كانت تلك اللقطات مختارة بعناية ومقصودة لإهانته وإذلاله وهو يستحق العقاب العادل والمناسب لجرائمه وليس الإهانة التي رأى فيها الكثيرون أنها إهانة لمشاعر العرب ولعل هذا القصد من جراء هذا السيناريو لأن المفترض ألا يصور إنسان مهما كان متهماً في صور لا تليق به وقد كانت القوات الامريكية تمنع تصوير جرحاها وقتلاها!!
كان يمكن تبرير ما حصل من صورة تلفزيونية مهينة في الحفرة بأن ذلك كان مشهداً حياً لا يمكن إعادة تمثيله لكن وضعه في المحكمة وان ظهر بشكل أفضل مما كان عليه في الحفرة ولكنه لا يتناسب معه كرئيس سابق مازال في قيد الاتهام، وان ذلك يكرّس نظرية الإذلال التي لا توجه لصدام بشخصه فقط، لأن الجيش الأمريكي كان بإمكانه قتله أو سجنه أو محاكمته دون أن يظهره بتلك المشاهد المهينة!! هناك مثال حي يزامن صدام حسين فالرئيس اليوغسلافي (سلوبودان ميلو سيفيتش) القي القبض عليه دون تصوير ولم يظهر إلا وهو في المحكمة بكامل هندامه وهيئته المحترمة متورد الوجنتين حتى ان تسريحة شعره بقيت كما هي عليه ويعطى كامل الوقت للكلام ومع ان كليهما يوصف بأنه مجرم حرب ومرتكب لجرائم ضد الإنسانية إلا ان الوضع يختلف مع صدام فبالرغم من ان هيئته تعدلت قليلا إلا ان وزنه قد نقص وأصبع يده كانت دامية وما تم بثه مبتور وكانت الكاميرات التابعة للجيش الامريكي ولأمر ما أظهرت بعض المقاطع وخاصة ما يتعلق منها بالكويت ربما لتثير فتنة كانت خامدة وأخفت الكثير من الكلام الذي كنا نريد أن نسمعه فكان من المفترض عدم بث هذا المشهد الذي تم إنتاجه في قاعة في مطار بغداد أو بثه كاملاً استناداً إلى الحرية والشفافية التي يقال إن وسائل الإعلام الأمريكية تتمتع بها!!
ما حصل هو أمر مخيّب للآمال فالشعوب العربية تريد أن تعرف تفاصيل هذه المحاكمة لا أجزاء منتقاة منها هذا إذا اعتبرناها محاكمة وليست تصويراً تلفزيونياً لمشهد محاكمة لكن هذه المرة ليس فيها بطل كما في الأفلام والمسلسلات لأن من يقوم بدور المتهم هو متهم فعلاً بجرائم شنيعة! تلك المشاهد التلفزيونية لاحقها مقص الرقيب تارة وتارة أخرى يخفي الصوت منها وذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً هو أن صدام قد قال كلاماً هاماً وخطيراً لا أعتقد أنه سيبرئه من جرائمه الثابتة الوقائع ولكنه بالتأكيد يدين معه مخرج هذا السيناريو الضعيف!!
|