الوزير الذي أخاطبه هنا هو معالي وزير المالية، وحديثي إليه يخص موضوعاً سوف يمس الملايين من المواطنين وأحسبه لذلك شأناً عاماً. أما مسوغ توجهي إليه بالحديث فعدة أمور منها أن التأمين يوشك أن ينتشر بيننا انتشارا نظامياً بعد صدور نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني وصدور لائحته التنفيذية، وسيدعى من أراد من المواطنين إلى المساهمة فيما سينشأ من شركات التأمين وسوف تتسابق الشركات لاحقاً إلى دعوة الناس إلى التعامل معها وأعتقد أن أولئك وهؤلاء يريدون أن يعرفوا حقيقة ما سيعرض عليهم لفظاً ومحتوى. ومن المسوغات أن المملكة ذات وزن مقدر لدى الشعوب الإسلامية في الأقل وسلوكها في هذا المجال سيكون ذا وزن راجح عندما يبحث آخرون عن أمثلة، ومنها أني على صلة لما يزيد عن عشرين عاماً بما يفعله المشتغلون ببعض من أنواع التأمين في البلاد الإسلامية وفي بعض مجتمعات الأقليات الإسلامية حين يديرون التأمين وكيف يفهمونه.
صدر نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية الذي كان لمؤسسة النقد الجهد جلّه في الإعداد لظهورهما وأنيط بها تنظيم عمل شركات التأمين وإعادة التأمين الخاضعة لهما والرقابة عليها والإشراف. ولقد أردت أن أعرف أي نوع من التأمين يراد بشطر كبير منا أن نتعامل به. فوجدت لزاماً عليّ أن أعود إلى النظام ولائحته لعلّي أبلغ ما أريد لأنهما أصدق حديثاً مما سواهما في هذا الشأن، فتصفحتهما فوجدت أن النظام يذكر كلمة (التعاوني) ثلاث مرات وأن اللائحة ذكرتها مرة واحدة في عنوانها، وبحثت في اللائحة عن تعريف لكلمة (التعاوني) فلم أجد تعريفاً ولكني وجدت النظام يأمر بأن تكون ممارسة التأمين في المملكة (بأسلوب التأمين التعاوني على غرار الأحكام الواردة في النظام الأساسي للشركة الوطنية للتأمين التعاوني.. وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية)، ورجعت حينئذ إلى نظام هذه الشركة الذي صدر عام 1405هـ فإذا في مواده الثالثة والسادسة والثالثة والأربعين قواعد عامة ألزم النظام الشركة بها في أمور عدة منها تحديد اشتراكات التأمين واستثمار الأموال التي في يد الشركة وتوزيع عوائدها وأجرة الشركة عن إدارة التأمين والاستثمار، ووجدت النظام يردد مرات عدة وجوب التزام الشركة بأن تدير أعمالها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية حتى انتهى إلى النص على أن تكون كل أعمالها وأغراضها (خالية من كافة المحظورات الشرعية بوجه عام ودون استثناء) ولن أقف عند مسألة التعارض مع أحكام الشريعة أو عدمه فلست مؤهلاً للخوض فيها إذ هذه من اختصاص علماء الفقه والفتيا، وإنما أردت أن أعرف - ويعرف معي من شاء - ما الذي تقصده معاليكم بكلمة (التعاوني) استناداً إلى نصوص النظام ونظام الشركة الوطنية للتأمين التعاوني؟ وهل ما قصدته هو حقيقة ما قننته اللائحة؟ ألا ترى معي أن من رغب منا أن يتعامل معه سواءٌ أكان ذلك مساهمة في شركاته أو تأميناً لديها أو هما معاً، ألا تراه يريد أن يعرف حقيقة ما يتعاطاه؟
معالي الوزير.. لا ريب أنك تدرك أهمية موضوع التأمين الذي سيسري بيننا سرياناً نظامياً عاماً وأن مسائله عديدة ولكن رأسها في نظري هو ما تساءلت عنه. واللائحة صدرت بإمضائك لها، وحسناً فعلت حين ختمت اللائحة في مادتها الخامسة والثمانين بجملة (.. وتقوم المؤسسة بمراجعتها واقتراح التعديلات عليها كل ثلاث سنوات، أو عند الحاجة للتعديل) فذكرتنا بمبدأ مستقر في صناعة الإدارة الصالحة وأعني البحث دائماً عن الأصلح. وأغلب ظني أن هذه (الحاجة للتعديل) ستلاقينا قبل أن تؤسس أول شركة جديدة للتأمين، وأنك ستكون من أوائل من يسرّه أن يطبق ما وُضِعت هذه الجملة من أجله، فهل إلى حوار من سبيل؟
(*) مدير جامعة الملك سعود سابقاً |