النظم البيروقراطية أداة لتحديد مسارات عمل.. لكن إذا تم خنق تلك المسارات وسدها.. تتحول النظم البيروقراطية إلى عوائق وأداة هدم وتخلف بدلاً من كونها أسلوب تنظيم هدفها التيسير.. وتسريع التنمية.
إني من هؤلاء الذين يرون أننا بطيئون جداً.. ونحتاج إلى اتباع الوسائل التي تضمن زيادة سرعتنا.. ليس الى السرعة التي نقود بها سياراتنا حتى صارت السيارات القاتل رقم واحد للشعب السعودي خلال الثلاثين عاماً الماضية.. لكن الى السرعة التي تضمن عدم تخلفنا.
إذا كنا نصف من يقود سيارته بسرعة (200) كم في الساعة بالمتهور والمجنون.. فكيف لنا أن نصف من يقود سيارته بسرعة (20) كم في الساعة على الطريق الدائري الشرقي بالرياض صباح يوم سبت؟.. لابد أن نصفه بالبطء الجنوني.. ففي كلا الحالين سوف يعرض نفسه وغيره الى خطر محقق.
هذا مثال محسوس.. مؤشراته واضحة ومقاييسه متاحة ومعاييره معروفة.. دعونا نسقط هذا المثال الملموس الظاهر الحي على واقعنا وتطورنا الحضاري والتنموي.. نعم سوف نفتقد وضوح المؤشرات.. وامكانية القياس لضعف وسائله.. اضافة الى (التباس) المعايير الذي يؤدي الى حالة شبه توقف للمرور.. لكن لابد من اثارة الأسئلة على الأقل. ما هي سرعة التنمية في المملكة؟.. وهل نحن في خطر أم أمان؟.. وهل سرعتنا تتماهى مع سرعة الأمم الأخرى؟. وهل لدينا مؤشرات قائمة على وسائل قياس دقيقة تحدد لنا ذلك؟.. وهل لدينا معايير نقارن من خلالها وضع نمونا مع الآخرين؟.. أم أننا لا زلنا مرتهنين للانطباعات والأهواء والآراء الشخصية؟.
لا أعرف حسب علمي مؤشراً واحداً يحدد سرعة التطور الحضاري للدول.. ولا أعرف معياراً واحداً يبين نوعية السرعة ومقدار تماهيها مع سرعة الدول الأخرى.. إلا أنني على علم بأن هناك مجموعة من المؤشرات محصلتها تبين سرعة واتجاه التطور في الدولة.. منها مؤشر النمو السكاني، ومؤشر النمو الاقتصادي، ومؤشر رضا المستهلك، ومؤشرات البطالة، ومؤشر الأمية.. الى غير ذلك من المؤشرات الهامة. نحن في المملكة نمر بمرحلة انتقالية نتيجة الظروف والتطورات المعاصرة التي كلنا نعرفها.. وان أهم متطلبات هذه المرحلة هي الشفافية والوضوح.. ليكون الجميع على بينة.. ويعرف كل مواطن دوره وأهميته في التنمية.. وهذا لا يتحقق إلا بشيوع المعلومة الدقيقة السليمة عن جميع مناحي ومجالات الحياة اليومية. لذلك دعوني استعرض معكم مجموعة من القضايا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والادارية.. لنرى في التعامل معها.. ولنقيس ونتعرف على سرعتنا مقارنة مع الأمم الأخرى. في المجال الاقتصادي.. تنويع مصادر الدخل، تنمية العمال في القطاع الخاص.. معالجة البطالة.. سوق الأسهم والأوراق المالية.. معالجة قضايا الشيكات بدون رصيد.. تسهيل الاجراءات التجارية.. الخ.. منذ متى ونحن نتحدث عن أهمية معالجة هذه القضايا؟.. وماذا فعلنا بشأنها؟.. وما هي النتيجة الحالية؟.. وما هي النتائج المتوقعة مستقبلاً؟.
في المجال الاجتماعي.. لماذا لم تتدخل الدولة بعد في قيادة الحراك الاجتماعي لتأهيل المجتمع للتطورات العصرية.. لقد استغل ذلك الفراغ تيار واحد وقام بقيادة الحراك الاجتماعي دون علم قائم على دراسات مستفيضة أو استقراء للأوضاع الداخلية والعالمية.. فأصبحنا نعاني من مشاكل اجتماعية متراكمة.. حتى برز أخطرها وهو أن يحارب أبناء المجتمع بلادهم تحت ذرائع مختلفة.
وفي المجال الثقافي لم يكن الوضع أفضل منه في المجال الاجتماعي.. حيث أفسحت الدولة المجال لرغبات ذلك التيار الواحد.. فكان ان ظهرت ثقافة الكاسيت والكتيبات التي تلهب حماس المجتمع.. وتدغدغ رغباته، فخاطبت العاطفة ولم تخاطب العقل.. ولم تقم الدولة ولا هم من دونها بتحريك العقل الانساني وتأهيله ثقافياً.. ليستطيع الانسان السعودي التعامل مع نفسه ومع الآخر أياً كان نوعه وموطنه.. والنتيجة أننا نعيش ثقافة الاقصاء، والتقوقع حول الذات، ورفض الآخر.. والشدة والشك والاستعلاء وافرازاتها القاتلة.
وفي المجال السياسي.. رغم رغبة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- وسعيهما الحثيث لارساء دولة المؤسسات.. لا زلنا ننتظر الانتخابات البلدية.. لا نعرف ماذا حصل بشأنها؟.. وفي أي مرحلة هي؟.. واكتفينا بالرقص طرباً لانتخابات هيئة صحفية.
أما إدارياً.. فإننا نرى جميع الدول حتى التي من حولنا بدأت بتطبيق الحكومة الالكترونية.. ونحن نسمع بهذا المشروع ولا نراه.. لقد تفاقم الوضع حتى أصبحت الاجراءات العملية لدينا تستهلك الجهد والمال والوقت بطريقة غير منطقية.. وأصبحت من دواعي التخلف والتحايل والتهرب ومخالفة القانون.
إنني أتساءل هل السبب في ذلك ضعف الامكانيات؟.. لكن بلداً استطاع ان ينشئ الهيئة الملكية للجبيل وينبع ويقيم المصانع العملاقة في فترة تكاد تكون قياسية حتى أصبحت سابك مثلاً من عمالقة الشركات العاملة في المشتقات النفطية.. لاشك أنه بلد لديه الامكانيات من رجال ومال.. بلد حباه الله بالموارد الطبيعية وشرفه بخدمة الحرمين الشريفين قبلة مليار مسلم.. ما الذي يجعله يتعامل مع القضايا المصيرية ببطء.. هل هي الإدارة؟.. هل نحتاج لمشروع وطني للنهضة الإدارية.. ذلك ما أعتقده.
ختاماً.. إن البطء هو الأب الشرعي لمعظم المشاكل.. لذا علينا أن نتساءل: هل تسير الأمور لدينا بالسرعة المطلوبة؟.. وإذا كان الجواب بالنفي.. فلنبحث عن أسباب ذلك.. فنحن في زمان الأسرع فيه يأكل الأبطأ.. ولوطننا علينا حق.
|