عزيزي القارئ استكمالاً لحديثنا معك عن المشروع العملاق مشروع الري والصرف نلتقي في هذه الزاوية مع أحد رجال الأعمال في المملكة وممن لهم معرفة بالمنطقة حيث أقام فيها ردحاً من الزمن الطويل، وهو الشيخ موسى العبدالله الكليب عضو مجلس إدارة البنك الزراعي وشركة أسمنت اليمامة وشركة كهرباء الأحساء، إن تقلبه في مثل هذه الأعمال أتاح له فرصة الإجابة بتوسع حول هذا المشروع الجبار.
لمحة سريعة عن الأحساء تاريخياً
* كيف تفسر المثل العربي الشائع الذائع كمستبضع التمر إلى هجر؟ وبيت الشعر العربي المشهور:
يمرون بالدهنا خفافا عيابهم
ويرجعن من دارين بجر الحقائب
يدل على أن ناحية المشرق في جزيرة العرب كانت مصدراً للتجارة والزراعة.
- الأحساء بلاد زراعية تعتبر من أقدم المدن في الجزيرة، وفيها من الآثار الشيء الكثير، إذ أن عاصمتها القديمة المسماة (جواثا) قد اندثرت وابتلعتها الرمال ولم يبق من الآثار الظاهرة فيها سوى المسجد المعروف بها وهذا المجسد قد تواتر أنه أقيمت به ثاني جمعة بالإسلام.
أهلها مشهورون بالكرم والانقياد إلى الخير يميلون ميلاً شديداً إلى الاستقرار ولو بالقليل، ولعل أصدق دليل على ذلك المثل المعروف (هجر وربع القوت).
ومن أبرز معالمها عين نجم المعروفة بمياهها المعدنية الحارة والتي يؤمها الكثير من البلاد المجاورة بقصد الاستشفاء وكثير من هؤلاء يأتون إليها وهم لا يستطيعون المشي أو مجرد الوقوف على أقدامهم وبعد الاستحمام بها يسافرون إلى بلادهم بصحة تامة.
ولو حصلت فيها العناية والتنظيم الموجود في بادن بادن أو بادتاشتاين مثلاً لكانت أفضل منهما.
هذا المثل يضرب على كل إنسان يرسل إلى بلد شيئاً متوفراً فيها ويدل على أنها من أكثر المدن إنتاجاً وجودة للتمور.
والبيت يدل دلالة واضحة على أن شرقي الجزيرة العربية كان مركزاً تجارياً واقتصادياً وزراعياً مهماً، وقد أشار إلى دارين حيث كانت هي الميناء المشهور في ذلك التاريخ وكانت مركزاً مهماً لتجارة اللؤلؤ الذي كان في ذلك الوقت من أهم موارد المنطقة بالإضافة إلى الزراعة.
* كان المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز يعير الزراعة اهتماماً كبيراً ويرى ببصيرة بعيدة أن اعتماد الأمة على الزراعة واجب وتنوع الدخل مطلوب؟
- المغفور له الملك عبدالعزيز كان أباً رحيماً وعطوفاً على جميع طبقات شعبه البادية والحاضرة، الصغير والكبير، وكان مهتماً بالزراعة وتنميتها في جميع المملكة وكان رحمه الله يقارن دائماً بين الإنتاج الزراعي بالسنة الحاضرة والسنة التي سبقتها، وكان أول من أقرض المزارعين ومنحهم مضخات للري وكانت هذه بداية لفكرة البنك الزراعي الذي أنشأه خلفه الصالح جلالة الملك فيصل المعظم.
وأنا والمزارعون في جميع أنحاء المملكة قد حررنا من المشاكل التي كنا نعاني منها الكثير.
* اضرب مثلاً على تأثر زراعة الأحساء بمشروع الري والصرف؟
- الأمثال لمشروع الري والصرف كثيرة ولو سميناها المنافع لكان أفضل منها بالنسبة للري - يعتبر من أحدث المشاريع من نوعه في العالم وأكثرها فائدة وقد شهد بذلك كل من شاهد هذا المشروع الجبار من وطنيين وأجانب وكذلك بالنسبة للصرف.
فوائد المشروع:
أ- توفير كمية كبيرة من الماء الذي كان يذهب سدى بسبب سوء الري الذي كان يجري على طريقة بدائية.
ب- أصبحت الطرق موصلة إلى كل مزرعة سواء كانت هذه المزرعة كبيرة أو صغيرة وهذه وحدها لا تقدر بثمن إذا كانت الطرق في السابق صعبة المسالك وقل من يستطيع أن يصل إلى مزرعة إلا على الدواب.
وفي بعض الحالات على الرجل وبفضل هذه الطرق قلت تكلفة المصاريف على المزارع إذ أن جميع ما تحتاج إليه المزرعة من سماد وعمال ومواد بناء ونقل الغلة إلى الأسواق رحلة منها أصبح ينقل بالسيارات وأعتقد أنها توفر من التكلفة أكثر من النصف.
ج - تم غسيل الأرض بفضل مشروع الصرف فقد كانت الملوحة حوالي 16000 وانخفضت إلى حوالي 5000 وهذا مما يحسن الإنتاج من حيث النوع والكم كما أن تكاليف إصلاح الأرض وعمارها قل، وكان قبل هذا المشروع يبدو الاصفرار على سعف النخل بسبب طبع الأرض (أي عدم الصرف) وزيادة الملوحة فيها، أما الآن فقد حلت الخضرة محل الصفرة.
د- زيادة مساحة الأرض المزروعة التي يمر بها الري بما يقارب الضعف وهذا يضاعف الإنتاج ويحسن نوعيته ويروي بأقل مما كان يستهلك من المياه قبل هذا المشروع الجبار، إذ أن الماء الذي منه كل شيء حي قد حفظ كما تحفظ النقود في البنوك حيث إن الماء أكثر قيمة من النقود وأكثر فائدة والحاجة إليه دائمة، وصار الماء لا يصرف إلا للغرض الذي أوجده الله عز وجل لأجله.
هـ- صارت الأحساء كلها حديقة ومنتزهاً، ولعل من يركب سيارته على إحدى جوانب أحد الأنهر وعلى الطرق المزفلتة بين خمائل النخيل والأشجار يدرك هذا تماماً.
و- كان التعويض المصروف لأصحاب الأملاك مقابل ما اقتطع من أملاكهم مجزياً ولم يلحق بأي صاحب ملك خسارة بل العكس هو الصحيح.
ز- لقد أوجد هذا المشروع في الخمس سنوات التي تم فيها تنفيذه حركة كبيرة أنعشت جميع سكان الأحساء في جميع المجالات.
ولا شك أن حكومتنا الرشيدة وعلى رأسها جلالة الملك المعظم بتوجيه من جلالته، حريصة كل الحرص على توفير الرفاهية والحياة الكريمة للشعب المخلص الوفي، أدام الله جلالة الملك وأيده بنصر من عنده.
|