تركب سيارتها مكرهة لحضور إحدى حفلات الزواج التي ما لها بد من حضورها ، وما أن تصل عند بوابة القصر وتفتح باب سيارتها حتى تأتيها أصوات (مقتحمة لا مرحباً بها) ، صوت جهوري يصدح بما هب ودب من أغاني الفناين الذين حتماً سيكرهون أغانيهم لو سمعوا ذلك الصوت النشاز ، تكاد قدمها تعود إلى السيارة مرة اخرى فهي لم تكن بحاجة لمن يثنيها عن الدخول !! حتى تأتيها الأصوات من داخل السيارة تحثها على النزول قبل أن يفوتهم (الحند) أقصد الرقص ، تنزل عند رغبة الجميع لتمتطي أقدامها المثقلة التي لا تتقدم خطوة واحدة ، تلتفت يمنة وإذا بالأطفال والشباب الصغار يتراقصون على الأنغام التي تأتيهم من داخل القاعة ، وتلتفت يسرة وإذا بجمع غفير من السائقين من الجنسيات المختلفة يتغامزون ويتلامزون ويضحكون على شبابنا وأطفالنا المتمايلين ، ماذا يدور في القاعة ؟! مؤكد أن هناك عمالة نسائية تضحك على بناتنا كما هو الحال هنا ، تدخل القاعة المتزاحمة بالأنفاس البشرية فلا تسمع فيها إلا (قرعاً) ، وتكاد المنصة المعدة للرقص تغص بالفتيات والنساء اللواتي يتحركن خلف الطبول ، ماذا لو انقطع التيار في هذه اللحظة هل سيقف الجميع عن الرقص ؟ حتماً نعم ، ولكن لماذا ؟! لماذا لا يواصلون الرقص بالطريقة الغربية فلا ينقصنا إلا هي ؟!
تجلس في أبعد المقاعد حتى لكأنك ترى خيالات تتحرك والواناً تتداخل وأشكالاً تتباين وأصواتاً تتزاحم ، وانت في خضم المتزايدات تكاد تصرخ بالجميع ليكفوا عن الضوضاء ، بجانبها امرأة يحاول طفلها أن يرضع من ثديها فهو جائع فتركله بيدها فهي في قمة الانسجام حتى لكأنها تكاد تقع من فوق كرسيها من شدة التمايل على النغمات ، عجباً يا نساءنا !! وهناك أخرى تمنح أطفالها مبلغاً من المال ليشتروا من (البقالة) التي تقطن خارج القاعة في الشارع المحاذي لها لكي يبتعدوا عنها قليلاً فهم يفسدون عليها المشاهدة والمتابعة.
وأخرى ينادي زوجها في المذياع مطالباً بالخروج ، فهو متعب بعد عناء عمل شاق وطويل وهي ترسل له الاطفال واحداً تلو الآخر تطلب منه البقاء برهة ، وكل رقصة تحثها على الرقصة التي بعدها حتى ينقضي الليل لتخرج وتجد الزوج المسكين يغط في سبات (اليم) داخل السيارة ، وأخرى تمشي على ثلاثة أقدام يمسكن بها حفيداتها وأبناء الحفيدات ، جاءت مثقلة لكي تتفرج ويعلم الله أنها من النظرة الأولى أجزم بأنها لا تبخص شيئاً ، ما ان تجلس حتى ينادوا للعشاء ، فقد قطعت وقتا مريرا في المشي والجلوس والنهوض والتنفس !
وهناك في ساحة القاعة أطفال مهملون يتقاذفون علب المرطبات ولا يتوقفون عن ذلك حتى يسبحوا في دمائهم وتضع الحرب أوزارها ، وتلك (المنصة) المساحة المخصصة للرقص تغص بالأعمار المتفاوتة ، يتغيرون كما تتغير الصور في الكميرات التي تحمل صور جدة ومكة ، يأتون بها أهلونا هدايا بعد الحج والعمرة وكن نفرح بها كثيراً بقدر حزننا الان على المتشابهات ، هذه المنصة تحمل مستويات مختلفة ، منهن المعلمات والمديرات والطالبات اللواتي تجمعهن المؤسسات التعليمية لهدف (سام) وتجمعهن المنصة الآن لهدف (سام) تجمعهن المدرسة في لباس موحد ومحتشم ويتمايلن على المنصة بقطع صغيرة من القماش ، احترن أي المناطق يغطين بها ، ويتراقصن في ذلك المكان المرتفع والجميع يتفرج عليهن ، تارة يصطدمن ببعضهن وأخرى يضعن مشية الحمامة وتكون الأغنية في واد وحركات جسدها في واد آخر ، ثم تنتهي الأغنية لتأتي غيرها ويأتي فوج آخر وهكذا حتى ينتهي الليل تحت لهيب الطبول ، وأنت أيها المتفرج تشمئز من بعض المناظر التي أمامك فترمي بنظرك في جهة أخرى ، واذا (بالمغاتير) يتراقصن داخل المدرجات عن اليمين وعن الشمال حتى لكأنك تشعر أنك في دولة غربية في أحد صالات (الدسكو)!!
تنتهي الأغنية ويهدأ الجميع ويعودون إلى أماكنهم ، وأصوات الجوالات تفعل بمكبرات الصوت ما تفعله هذه المشاهد من خلل واضطراب داخل مشاعرك (الهزيلة) عجباً ، أي متعة في هذا كله ؟!
أولا تتوفر المتعة في أجواء جميلة أكثر هدوءاً وأكثر بعداً عن الضوضاء والصخب ؟! إلى متى ونحن ننجرف وبعمق خلف المظاهر الهشة والأمور التي ليس لها علاقة بالأهمية إلى متى والطبول تقرع والأجساد تتمايل ؟!
|