* الدمام - ظافر الدوسري:
الشيك المصرفي سند مالي مهم ادى ظهوره إلى تسهيل العمليات التجارية في انحاء العالم بشكل كبير لما له من مصداقية كبيرة تعادل النقد والتي اتخذها من قوة الأنظمة التي عرفت الشيك.. ولكن هذه المصداقية تناقصت فيما بعد بسبب تهاون البعض في اصدار الشيكات من دون رصيد مستغلين في ذلك عدم وجود الأنظمة الرادعة وطول الاجراءات النظامية وعدم جدواها في رد الحق لاهله مما ادى لعرقلة العمليات التجارية بسبب ارتفاع عدد الشيكات المرتجعة وضياع حقوق كان قد كفلها.
الجزيرة حاورت عدداً من الاقتصاديين حول اسباب انتشار هذه الشيكات ومدى فاعلية الانظمة الحالية في الحد منها والذين اكدوا بدورهم ان اسباب تفشي هذه الظاهرة تكمن في عدم وجود العقوبات الرادعة لمصدري هذه الشيكات وعدم اعتبارها جريمة جنائية يعاقب عليها القانون اضافة إلى ضعف الإجراءات النظامية وعدم وجود جهة تنفيذية للاحكام الصادرة بهذا الشأن.
القضية تضغط علينا أكثر
في البداية تحدث لنا الأستاذ عبدالرحمن الراشد رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية قائلاً:
منذ فترة طويلة ونحن نطالب المسؤولين في وزارة العدل ومؤسسة النقد ووزارة التجارة والداخلية بهذا الأمر بأنه حينما يأخذ شخص حكماً من لجنة الأوراق المالية بغرف التجارة لا يجد من يطبق له هذا الحكم ونحن في الغرفة ليس لدينا آلية لتنفيذ أحكام هذه القضية!.
المشكلة أن الرجل نفسه مرتكب هذا الجرم والخطأ يتحايل وما زال يصول ويجول ويصدر له شيكات من بنك إلى بنك آخر، فيفترض لمن يقوم بهذه العملية مرة أو مرتين أن يسجل في القائمة السوداء بل أن على وزارة التجارة أن توقف أي عمل تجاري له ويمنع من أن يستقدم عمالاً لتجارته.
وأردف يقول: عموماً لو ظهر للناس ان النظام يطبق فانه لن نسمع عن مثل هذا الجرم مرة أخرى، فمثلاً لو وضع حد بقطع الرقبة لمن يقوم باصدار شيك من دون رصيد فهل نتصور أن احداً سيقدم على هذا الفعل الا المعتوه.
واشار إلى الوضع الاقتصادي بالمملكة قائلاً: ان اقتصادنا يعيش انتعاشة ويقوى بين فترة وأخرى ويتطور والمعاملات التجارية تكثر بالاضافة إلى اننا مقبلون على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية فهذه القضية تضغط علينا أكثر وأكثر، لذا أرجو من المسؤولين أن يتحركوا وأن يكون لهم دور قيادي في هذا الموضوع ويحلوا هذا المشكلة.
من أمن العقوبة أساء الأدب
د. بسام بن محمد بودي نائب أمين الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية قال في هذه المعضلة الاقتصادية:
الشيك وسيلة مهمة للتبادل النقدي في جميع انحاء العالم وللشيك مصداقية كبيرة تعادل النقد، وأتخذ الشيك مصداقيته واهميته من قوة النظام الذي عرف الشيك وحدد ما هيته وكيفية التعامل به كما نص على العقوبات المترتبة على المساس بهذه المصداقية واكتسب الشيك مصداقية كبيرة في المملكة كما هو الحال في العالم.
وكان لهذه المصداقية ان سهلت المعاملات التجارية والمالية بشكل كبير. ولكن منذ سنوات فقد الشيك هذه المصداقية بسبب التهاون والتلاعب في اصدار الشيكات من دون رصيد من قبل مصدري الشيكات وكذلك التساهل وطول الاجراءات النظامية وعدم جدواها احياناً في الحصول على الحقوق المكتسبة لحامل الشيك (المستفيد). وانعكس هذا التراجع في قبول الشيك على جميع المستويات من القطاع الحكومي والخاص، وأصبحنا نرى عبارات (لا تقبل الشيكات الشخصية) و (نقداً أو شيكاً مصدقاً) منتشرة مما أعاق الكثير من العمليات التجارية وادى إلى انتشار الشيكات المرتجعة وارتفاع عدد المعاملات المتعلقة بالشيكات المرتجعة لدى الجهات الرسمية وضياع الحقوق التي ضمنها النظام.
وأثر بشكل كبير على التعاملات التجارية بشكل عام، فالتلاعب الحاصل بالشيك أفقد المصداقية، ففي دول قريبة اذا حصل مثل هذا التلاعب يطبق عيله الحكم فوراً بغض النظر عن أنه سدد أو لا، وحصل هناك حق خاص وحق عام، الحق الخاص سدده ولكن الحق العام يلزمه كذلك.
واردف يقول: الاصل في هذه المشكلة هو (من باب من أمن العقوبة أساء الأدب) إلى درجة أن بعض مصدري الشيكات تصل بهم البجاحة ليقول للمستفيد (بله واشرب مايته) وهذا نتاج عن اطمئنانه الى عدم الملاحقة القانونية او عدم جدواها وحتى لو افترضنا مجازاً انه يمكن ان يحصل المستفيد على حقه من خلال القنوات النظامية فانه من المؤكد عدم جدواه الاقتصادية نظراً لطول الاجراءات والتي تنتهي في حال نجاحها بدفع المبلغ بعد اشهر او سنوات من المطالبة، (فماذا اذا كان المبلغ صغيرا). لقد حدد النظام العقوبة بوضوح وهي الحبس مدة لا تزيد على 3 سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسين الف ريال.. والمطلوب لاعادة الهيبة والمصداقية للشيك هو تطبيق العقوبة والتأكيد على ان العقوبة يجب ان تطبق على المخالف حتى لو سدد المبلغ المستحق.
فما الفائدة ان تدور معاملة شيك من دون رصيد لعدة سنوات وتنتهي بمطالبة مصدر الشيك بسداد المبلغ؟! فالمسألة ليست اثبات حق او اثبات المطالبة لان الشيك سند دفع لامر ثابت لا نقاش فيه. لذلك يجب أن تطبق العقوبة على من ارتكب مخالفة اصدار شيك من دون رصيد اذا ثبت ارتكابه المخالفة بالاضافة إلى سداد قيمة الشيك. وعن اثر هذه القضية على انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية فقال: عقوبات الشيكات المرتجعة ليس لها أي تعارض مع أنظمة منظمة التجارة العالمية، فالعبرة ليس في وجود الأنظمة ولكن العبرة في تطبيقها وهذا يعطي للمنظمة واماناً لحرية التعاملات التجارية، لان المستثمر الأجنبي اذا أراد أن يدخل فيريد أن يطمئن ويضمن حقوقه، لذا اذا كان عندك نظام ولا يطبق فهم يتوقعون ان المستثمر سيدخل في اشكالية كبيرة ولا تناسب البيئة التي تريدها المنظمة.
وكلاء السيارات والشيكات
علي بن برمان اليامي عضو اللجنة الوطنية بمجلس الغرف التجارية السعودية وعضو باللجنة التجارية بغرفة الشرقية قال: انتشرت ظاهرة اصدار شيكات من دون رصيد في تعاملات بعض الشركات بالرغم من التحذيرات المستمرة ونناقش في مجلس الغرف التجارية الصناعية مثل هذه الظاهرة باستمرار ولكن نلاحظ زيادة في التعاملات مع عدم التقيد بالاوامر الصادرة من الجهات الرسمية التي تحمي المواطنين من التلاعب في الاسواق. ونشاهد تفشي هذه الظاهرة ومساهمة وكلاء السيارات بانتشارها بالرغم من وجود تعاميم رسمية بهذا الخصوص من وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة ومجلس الغرف التجارية الصناعية.
حيث قدمت مقترحات لمجلس الشورى سوف أوضح ابرزها متفائلاً بحل سريع والحد من انتشارها في اسواق المملكة.
ومن ضمن المقترحات اعتبار اصدار شيكات من دون رصيد جريمة جنائية وعلى حامل الشيك اللجوء مباشرة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام واعتبارها جهة معنية بالنظر في القضايا الجنائية. كذلك اخذ اقرار وموافقة خطية من العميل في البنك او البنوك الأخرى كأحد شروط فتح الحساب وحق البنك في اقفال الحسابات لمصدري الشيكات المرتجعة وامكانية تبادل المعلومات الشخصية للمصدرين بين البنوك ومؤسسة النقد السعودي.
وهناك مقترح لايقاف التصديق على محررات المنشآت التجارية التي تصدر الشيكات على ان يصدر من الجهة المختصة توصية بذلك للغرف التجارية الصناعية حتى يتم الوفاء بقيمة الشيك المرتجع وفي حالة العودة يتم شطب المنشأة من سجلات الغرفة التجارية الصناعية المشترك بها.
ونحن نطالب الجهات الحكومية بالقيام بحملات وطنية اعلامية للتوعية تركز على الآثار السلبية المرتجعة على الاقتصاد الوطني وتعميد البنوك بصلاحية تخولها للوفاء الجزئي بقيمة الشيك اذا لم يكن الرصيد كافياً وفي حالة تكرار اصدار شيك من دون رصيد فان للجهة المختصة ان تأمر بسحب دفتر الشيكات من المحكوم عليه ومنع اعطائه دفاتر جديدة.
واقول بصفتي احد رجال الاعمال وعضوا باللجنة التجارية بالمنطقة الشرقية ان من المرتكزات الاساسية لاي نظام لضمان استمراريته والالتزام به وجود الجانب التنفيذي له، لهذا فمسألة تنفيذ الاحكام القضائية تحظى بأهمية بالغة في كافة المجتمعات ويجب تفعيل دور الجهات التنفيذية ذات العلاقة لما في ذلك من ضمان احترام الافراد وتقيدهم بالنظام المطبق وحتى لا يفقد النظام هيبته عند نشوء النزاع وانتهاء بتسويته مما يترتب عليه ضرورة تلافي معوقات تنفيذ الاحكام الصادرة سواء كانت في الشيكات المرتجعة او في غيرها من القضايا.
ليس لدينا نقص في الأنظمة
المحامي القانوني الاستاذ جاسم العطية قال: الاحكام التي صدرت جيدة ومذكور فيها حكم كل من يصدر شيكاً من دون رصيد او من دون قابل للوفاء اذا ثبت للجهات المعنية.
لكن المشكلة تكمن في عدم وجود جهة تنفيذية للاحكام حتى يكون هناك مصداقية للشيك. ومن المفروض ان يكون هناك حزم للتنفيذ من اية جهة كانت او مسماها لانه من المؤسف حقاً ان تصدر احكام وتتوه بين الجهات الرسمية وصاحب الحق يتعطل في الحصول على حقه ويأخذ وقتاً طويلاًً، وفي الأصل الامر لا يحتاج الى صدور حكم لانه بمجرد اخذ ورقة من البنك تثبت هذا الشيء لجهة معينة يلزم بالدفع واذا ثبت للجهة المعنية بأنه لا يوجد رصيد فيطبق عليه العقوبات الموجودة بالنظام. فنحن ليس لدينا نقص بالانظمة انما المشكلة تكمن انها اجرائية في تطبيق العقوبات وممكن أن يضاف ان البنوك عليها جزء من المسؤولية او ممكن أن تساهم في الحل، فمثلاً عميل يصدر شيكاً من دون رصيد عدة مرات يريد العمد والاضرار بالآخرين فيمكنها ايقاف حسابه على اقل تقدير.
زيادة المراكز الائتمانية
أما رجل الاعمال محمد ياسين بو خمسين فقال: التواطؤ والاحتيال او التحايل على الآخر اسلوب منبوذ وممقوت بين جميع الشعوب في مختلف بلدان العالم لكن في عالم التجارة نجد أن في المسألة نظر رغم ما تجره من نتائج مدمرة في الاتجاهين، فقضية ظاهرة الشيكات من دون رصيد في بلدنا تشكل هاجساً لرجال الاعمال وظاهرة لها انعكاسات سلبية على السوق وسمعته.. لذا يحب أن تفعل القرارات الخاصة بالشيكات بدون رصيد سواء القرارات القديمة او الحديثة وان كنت أرى بأن تجدد هذه القرارات لان هناك اموراً اقتصادية تطورت وتبدلت فلابد من مسايرة هذا التطور السريع الذي يشهده العالم الذي اصبح كقرية صغيرة.
وأضاف يقول أرى من المقترحات الفاعلة في هذا المجال هو زيادة المراكز الائتمانية فهو خيار أفضل واكثر اهمية من اية اجراءات قضائية، كذلك أرى من الحلول المقترحة في هذا الشأن هو التعامل معها على أنها مخالفة مثل المخالفات المرورية اذا لم تسدد عقوبتها تتوقف العديد من الأنشطة الاخرى.
محترفو الشيكات على دراية
وقال رجل أعمال آخر رفض ذكر اسمه ان كثيراً من محترفي اصدار الشيكات دون رصيد اصبح على دراية باجراءات التقاضي ومعرفة بما يؤخر البت فيها وكثيراً ما يلجأون الى شيء من ذلك لاطالة امد القضية كأن يرفض التوقيع على نماذج التبليغ بالدعوى او بمواعيد الجلسات او لا يستكمل بياناتها او يرسل اعتذاراً عن حضور الجلسة او يطعن بتزوير توقيعه على الشيك او يطلب من المدعي عدم الذهاب الى موعد الجلسة ويعده بالسداد إلى آخر ذلك مما يعرقل سير القضية.
|