لم تمض دقائق قليلة على انتهاء عملية الإنعاش القلبي التي فرغت منها لتوي في إحدى غرف التنويم في المستشفى حتى شرعت في كتابة هذه السطور لما كان لها من أثر كبير في نفسي علها تلقي قليلاً من الضوء على الخدمات التي يتلقاها المريض وهو منوم في المستشفى إضافة إلى بعض الملاحظات الواجب تذكرها من قبل الطاقم الطبي والتمريض المرابط في الليل والنهار على مدار الساعة لتقديم خدمة يتلقاها ذلك المريض الذي بدل ثوبه الذي اعتاد أن يلبسه في البيت أو العمل وخلع تاج الصحة الذي كان يحمله منذ ساعات أو أيام أو شهور ليراه اليوم على رؤوس زائريه من الأصحاء ويلبس ثوب المرض إلى حين يتعافى بمشيئة الله تعالى، حقاً فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، في الرابعة صباحاً حين لاحظت والممرضة تغيراً في ضربات القلب على جهاز المراقبة المركزي في وحدة العناية المركزة والذي يسجل تخطيط القلب بشكل مستمر لمريض موجود في غرف التنويم في الطابق الآخر من المستشفى، هرعنا إلى المكان كلمح البصر كانت الحالة الطبية التي شخصناها على الفور من تخطيط القلب المباشر (الرجفان البطيني) وهذا نوع
من اضطراب نظم القلب يتظاهر بضربات انفعالية غير فعَّالة، ويبدأ المريض يشعر بدوخة مع تراجع مطرد بدرجة الوعي تؤدي لا محالة إذا لم تعالج بسرعة إلى توقف القلب الفوري الذي إن حدث تأخر في مباشرة الحالة تؤدي إلى الوفاة، أما إذا كانت العيون ساهرة والحواس متحفزة وأهم من ذلك وذاك أن يعرف الشخص المدرب حقيقة ما يجري طبق قاعدة ذهبية علمنا إياها أساتذة كلية الطب تصلح لأن تطبق على جميع مناحي الحياة فضلاً عن التشخيص الإكلينيكي وهي (أنت ترى فقط ما تبحث عنه) أو بالإنجليزية ((You see what you are looking for
فبعد ثوان فقط وما إن لاحظنا جهاز المراقبة، رفعت سماعة الهاتف لطبيب الأمراض الباطنة المرابط في ردهة الطوارئ في المستشفى وبكلمة واحدة (رقم الغرفة، تعال بسرعة) وكلمة أخرى للممرضة (عربة الإنعاش) فعلت ذلك بينما أنا أنظر إلى المريض والذي كنت متصوراً في ذهني ما يمكن أن يكون عليه حينما رأيت تخطيط القلب هناك في العناية المركزة.
وبدأت بالإنعاش مع الطاقم الطبي المرافق وما هي إلا لحظات حتى عادت دقات القلب طبيعية بإذن الله ثم أُعطيت الأدوية اللازمة ونقل المريض إلى وحدة العناية المركزة لاستكمال العلاج والمراقبة الدقيقة، وتم بحمد الله إنقاذ ذلك المريض من الأزمة القلبية التي مر بها.
بهذا أكون قد تحدثت بشكل غير مباشر عن جهاز يقال له Telemetry أو جهاز تخطيط القلب عن بعد نستعمله في بعض المرضى ذوي الحالات المتوسطة الشدة والتي خرجت من العناية المركزة وتحتاج للمراقبة اللحظية ريثما ينتهي العلاج ويخرج من المستشفى.
وما أريد أن أذكره هنا أن وجود الطبيب المتمرس بالإنعاش القلبي على مدى الأربع والعشرين ساعة في المستشفى هو ضرورة لا غنى عنها لمثل هؤلاء المرضى، وخير من يقوم بهذه المهمة هو طبيب التخدير والعناية المركزة يسانده في ذلك طبيب الأمراض الباطنية والقلب إضافة إلى التمريض.
نقطة أخرى أود الإشارة إليها وهي أهمية جاهزية أدوية وأجهزة الإنعاش
قريبة من المرضى الذين نتوقع حدوث هذه الاضطرابات لديهم وتدريب الممرضات بشكل مستمر على استعمالها، وهذا متوفر في مستشفى الحمادي بحمد الله، حيث توزع هذه الأجهزة على أجنحة التنويم كافة فضلاً عن الطوارئ والعناية المركزة والعمليات والتي تغص بهذا النوع من الأجهزة المتطورة.
( * ) أخصائي التخدير والعناية المركزة بمستشفى الحمادي بالرياض |