اطلعت على مقال للكاتبة الجوهرة آل جهجاه (دفاع عن أوائل الثانوية في المؤسسات التعليمية) في العدد 11593 تعقيباً على مقال (العشرة الأوائل أهلية) للكاتب محمد أبو حمرا، والذي تناولت فيه بالنقد ما وصل إليه المقال الآنف الذكر، ولي تعقيب غير مطوّل على نقاط في مقال الكاتبة وإن كنت أتفق معها في مجمل ما ذهبت إليه بيد أن لي تعليقاً على نقطتين فقط وردتا في ثنايا المقال من القول: (كنتيجة سلبية) و(زرع تفرقة تفضيلية بين التخصصات حيث منها ما هو حفظ أصم لا يحتاج لتعب ولا تميز، ومنها ما هو فكري يحتاج للتميز والتفوق الحقيقي). وتعليقي أنه من غير المسلم به أن يكون المجال العلمي والبحث فيه والدراسة والتطبيق والممارسة مساوياً للتخصصات التي لا تتطلب أكثر من الحفظ والإلقاء. وهذا ما يفسره الطلب على التخصصات العلمية وذات الطابع الممارسي العملي المكلف وهو ما يستهوي الجهات الطالبة للخريجين، سواء من حملة الثانوية العامة أو خريجي الجامعات.
كما جاء في معرض المقال قول الكاتبة: (مناقضة الذات حيث نسعى جميعا إلى تحصيل الأحسن لأبنائنا والأحسن دائما هو الأغلى سواء في الملابس أو المطاعم أو مدن الألعاب والترفيه أو المنازل والأثاث ونأتي لرفض ذلك في التعليم). وهنا فإن التعاطي مع الأشياء الحياتية اليومية التي تؤثر فيها المادة لا يخلو من انعدام الوزن في علوها وفي رسوها في متوسطها ولكن ليس إلى الحد الذي يكون الحكم منطلقاً من أن كل ما رخص ثمنه سيئ إلى درجة أن هذا السوء قد انتقل إلى التعليم والتحصيل، وكيف سيكون ترسيم حدود العلاقة المفترضة بين التعليم المؤسسي والحكومي والتي يفترض فيها انسياقها في توازي خط موحد باتجاه أبناء هذا البلد، وهذا ما رمت به الكاتبة حتى ولو كان القصد الرمي بالثقل المادي من رؤيا بعيدة.
كما أن هذا قد يثير توجس الغير خيفة من أن تكون القسمة في ما بين تلقي التعليم الأهلي والحكومي قسمة ظيزا، لا عدل فيها؛ فالكاتبة تعلم بالضرورة أنه ليس من المعقول أن يكون كل الناس على درجة من اليسر والثراء حتى يتلقوا التعليم الأهلي الذي يعطي صفات تعليمية وفكرية تختلف في مضمونها - أو على الأقل في درجة منه - عن غيره ممن يتلقون التعليم الحكومي، بالرغم من أن التوجه التعليمي لا يختلف كمنهج وكأرضية تستلهم أفق رؤيتها من المنهج الإسلامي الذي عليه هذه البلاد، فضلاً عن أن الفروق الفردية هي التي تحدد مسار الفكر البشري والذهنية المعرفية أكثر بكثير من التداخلات المادية؛ فليس كل العباقرة أثرياء.
وأخيراً فإن المنصف يعلم أن لكل مجتهد نصيباً سواء في التعليم المؤسسي أو الحكومي، وليس ثمة شك في أن تفوق التعليم المؤسسي في بعض نقاط الرصد سرع بتجاوز إشكالات المباني المستأجرة ونقص الخبرة المعرفية في نواحي الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية والتعامل مع المحسوسيات البيئية من خلال الأدوات والوسائل المتطورة التي تكاد تكون حكراً على التعليم المؤسسي؛ مما سهل تموضع التعليم الحكومي في خانة المساءلة دائماً عن النقص في الكيف والكم. هذا ما كان بوسعي فهمه وما طاله الرأي في المقال. ودمتم.
محمد سعود الزويد - الرياض |