لماذا يشعر الزائر لدول الخليج وبخاصة عندما يكون في حديقة ما أو في مكان عام مع أطفال صغار، كما لو أنه في بلد غير عربي؟ وكأنه في كراتشي أو نيودلهي أو بنجلاديش أو في الفلبين، أو في أي دولة من دول جنوب شرق آسيا، وليس في بلد عربي؟
ويبقى السؤال المهم والضروري:
كيف ننشئ فردا عربيا مسلما، وهو يترعرع وسط بيئة غربية، ويلتقط المعرفة من مربيات أغلبهن لا يتقن لفظ حروف العربية، وبعيدات كل البعد عن البيئة ومعظمهن سيرلانكيات وفليبينيات وهنديات؟
من المسؤول عن هذه الظاهرة التي إن استفحلت ولم نجد لها الضوابط لابد ستترك أثراً سلبياً على أجيالنا القادمة؟
ذكرت لي إحدى الصديقات بأنه وفي مناسبة عيد الأم أعطى أحد الآباء ابنه هدية ليقدمها لأمه، فسرعان ما توجه الطفل إلى المربية وقدم الهدية لأنها الأقرب دائماً إليه، بينما أمه التي أنجبته تقف وتنظر باستغراب..!
أصابع الاتهام تشير إلى الأم التي وبسبب ظروف ما ارتضت هذا الجديد وأقنعت نفسها بلزومه, إما أن تكون عاملة أو موظفة أو تقضي معظم اليوم خارج البيت، وإما طلباً للراحة، وإما اهتمامها بنفسها ونزهاتها وزينتها والموضة وصديقاتها أو أو أو.. إلى آخر قائمة ليس فيها ما يبرر لها إهمالها تربية أطفالها براعم المستقبل، وأمل الأمة، تتصرف ببساطة ودون إدراك وتلق بمسؤولية تربية أطفالها للمربية أو الخادمة الأجنبية التي بفعل تواصلها مع الطفل تصبح أقرب إليه، بغض النظر عن الاهتمام الحقيقي أو صدق العاطفة أو أمانة المسؤولية مما سيؤدي حتماً إلى حدوث خلل في نطق ولغة الطفل.. وربما وهذا أخطر في فكره وثقافته كناتج طبيعي للمصدر الذي يتلقى منه المعرفة، لغة غريبة خليط حروف مهزوزة ومفردات بعيدة عن أصالة لغتنا.
كان العرب في القديم يرسلون أطفالهم إلى البادية كي يتقنوا نطق الحروف ويتعلموا فصاحة اللغة، وبعد ظهور الإسلام كانوا يبدؤون تعليمهم بقراءة آيات من القرآن الكريم، الذي بفضله كُرمت اللغة العربية وحفظت من كل تبديل وتحريف، وهو (القرآن الكريم) الأصل في تعليم اللغة إلى جانب الفضائل العظيمة وتعليم الدين.
ظاهرة تفشي العمالة الآسيوية التي تدفع بالإنسان العربي سواء كان الطفل أو رب الأسرة أو سيدة البيت أو حتى الجار والبائع، وكل من له اتصال مع ذلك الغريب أو الغريبة إلى النطق بلغة هجين هي خليط لهجات ولغات بين العربية والأجنبية لإتاحة المجال والوسيلة إلى صيغة تفاهم مع هؤلاء القوم.. والعمالة الآسيوية ظاهرة فرضتها ظروف معينة على دول الخليج، أهم هذه الظروف هو الترف والغنى المادي الذي لم يسخر لأعمال استثمارية مفيدة للمجتمع، والفهم الخاطئ لمعنى الحضارة.. حيث أخذت منها القشور وترك اللب المفيد.. تعلق الناس بالشكل لا بالمضمون، وبعض هذه الظروف لاتزال موجودة، وقد تبقى لفترة لا نعلمها، الظاهرة هذه مثلها مثل أي ظاهرة أخرى لها سلبياتها ولها إيجابياتها، لكن ما أود أن أقوله: إن السلبيات نحن نتسبب فيها لأننا نهيئ ظروف تشكلها وتكونها.
النقطة الأخرى هي بعض محاولات متواضعة لمعالجة هذه السلبيات، ومثل هكذا معالجة يجب ألاتكون عن طريق الصراخ والضجيج وإلقاء التهم يمينا ويساراً، أو إطلاق العنان للخيال ليتوهم أشياء ليس لها وجود ثم ننسبها للضرورة أو الحاجة، وهي في الحقيقة ليست كذلك كأن المربية الغريبة اقتحمت المنزل هذا أو ذاك، فوجب استخدامها، أو أن رتم الحياة يتطلب ذلك، أو أن الأبناء أنفسهم يفضلون المربية الأجنبية عن الأم، وكل هذه حجج ليس لها أدنى مصداقية بل مجرد شماعة يعلق البعض الأسباب عليها.
ولو سلمنا بأن بعض هذه الأسباب مقبول يبقى السؤال.. لماذا؟
هل لأن المنظومة التربوية والاجتماعية والسلوكية في الخليج اهتزت منذ فترة الطفرة النفطية؟ أم أننا فقدنا القدرة حتى على تربية فلذات أكبادنا.؟
أم أن بريق الحضارة المزيفة والمظاهر الاجتماعية غير المفهومة يبرر لنا هذا الفعل؟
وليت الأمر يقف عند هذا الحد، وتكون المربيات على قدر من العلم، أو من خريجات مدارس متخصصة في التربية؟ المشكلة الكبيرة والخطيرة هو أن ما يسمين مربيات هن شغالات أو خدم، ومن بيئة فقيرة وجاهلة نأتي بهن عبر مكاتب وساطة ووثائق وعمالات ومزايدات وهو في الحقيقة مشروع تجاري يطلب فيه من المربية أن تؤدي مختلف الأعمال من كنس وطهي وغسيل، ومربيات في أوقات الفراغ.
وقد شاهدت ربات بيوت خليجيات يفرضن على الفلبينية والسريلانكية والهندية الأمية المسحوقة التي تتكلم كلمتين أو ثلاثا من اللغة الإنجليزية المكسرة أن تعلم أبناءها الإنجليزية بعد فترة أعمالها في المطبخ، وهذا باختصار يعني أننا نحن السبب في استفحال المشكلة، أهملنا أولادنا وتركناهم بين أيد غير أمينة وغير حريصة وغير كفؤة.
فهل هذه أخلاقنا وسلوكياتنا؟
ومن خلال سبر الواقع الموثق بدراسة عملية ميدانية نخلص إلى أن ( في المملكة العربية السعودية 3.4 ملايين عامل آسيوي، يمثلون 54% من إجمالي العمالة الوافدة للمملكة، في حين أن إجمالي أعداد العمالة العربية لا يتجاوز 2.5 مليون، يعني يمثلون 40%، وتشير الدراسة الى أن العمالة الهندية تفرض سيطرتها على السوق السعودي، ويبلغ عددها مليونا ومائتين الف عامل، تليها العمالة الباكستانية نحو ثلاثة أرباع مليون عامل، ثم الفلبينية 450 ألف ثم البنجلاديشية 446 ألف عامل، والسيريلانكية 250 ألف عامل).. وهذه دراسة نشرتها منظمة العمل العربي.
القضية بقدر ما هي خطيرة هي مثيرة أيضا وحارة وتشكل خطرا وشيكا حقيقيا يجب أن ننتبه له ونناقشه بشجاعة وجرأة، لأنه خطر داهم يعبث بأصولنا وبلغتنا.. ولغتنا هي الحامل الأول والأهم لمجمل ثقافتنا عبر التاريخ، ولو استفحل الأمر فكل الأخطار بعدها من إنتاج هذا الخطر.
إن الغيرة على الحالة العامة تفرض علينا أن نتوجه إلى الدولة والقائمين عليها فهي أي الدولة القادرة على وضع حد لهذه الظاهرة، ولا يتسلل إلينا أدنى شك في أن أولي الأمر هم الأكثر حرصا على الوطن والمواطن، وعلى مستقبل الأمة وعلى أجيالنا أطفالنا الذين هم أكبادنا يمشون على الارض، نرجو الله أن يهدينا دوما إلى سواء السبيل.
الرياض - فاكس 014803452
|