Monday 5th July,200411603العددالأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

وقفات مرارة العجز! وقفات مرارة العجز!
مرارة العجز!
سلوى أبو مدين

ربما تنتابك الدهشة وأنت بين هذه السطور، وربما تمر عليك مروراً عادياً..! لأنك اعتدت سماع مثل هذه القصص، ولكن ما أسطره الآن، هو حقيقة ليست من نسج الخيال أو مفتعلة بل واقع نعيشه كل يوم بل كل لحظة وقد نتعظ وقد لا يحدث ذلك.!
في زيارة لي لأحد المستشفيات الكبرى، وبعد عناء مرير بين الأقسام والأجنحة الكبيرة وصلت إلى حجرة إحدى قريباتي حيث تتلقى العلاج، وخلال حديثنا وحوارنا قطع علينا ذاك الأنين المتقطع، من صوتٍ مجاور لنا.. لم أكن أعلم مصدر الصوت الذي أسمع أنينه من حين لآخر.. فشدني فضولي لأعرف مصدر الألم الذي يتوجع بأنين محفوف بالتعب، فأخبرتني مرافقة قريبتي أنها سيدة مابين العقد الرابع والخامس من العمر.. أدخلت المستشفى منذ أحد عشر عاماً لتلقي العلاج، وقد تخلى عنها أبناؤها طيلة هذه المدة كأنهم نسوها ولم يفكروا في زيارتها والاطمئنان عليها..!
وهي تتلقى العلاج على أيدي أطباء، وتعنى بها الممرضات في مأكلها ومشربها، حتى في حاجياتها الخاصة..!
كان وقع الكلمات قاسياً، لدرجة أنني شعرت حينها بتثاقل حركتي، وأصاب قدمي ثقل غير معتاد، وارتعشت أطرافي، وبكيت بداخلي من هول ماسمعت! لحظات وتحركت من الكرسي الذي أجلس عليه.. ومشيت خطوات وئيدة إلى تلك السيدة، لألقي نظرة عليها، فقد تحتاج إلى خدمة أسديها إليها..فوجدتها تغط في سبات عميق.. نظرت ملياً لتلك السحنة التي تغلفها المرارة وهي تأن من حين لآخر، وقلت بصوتٍ تعلوه الدهشة..!
ويلي من هؤلاء الأبناء التي لا تعرف الرحمة والشفقة طريقاً إلى قلوبهم..!
وفاضت عيناي بالدمع حاولت أن أتقدم إليها لسؤالها، علها تكون بحاجة إلى مساعدة ولكن.. علمت بأنها لاتستطيع الكلام..!
تألمت لحالها وشعرت بشيءٍ مما تشعر به فقد كان أنينها أكبر، ومكابدتها للألم والمرارة أشد لزمت الصمت وعدت أدراجي وأنا ألهج بالدعاء إلى الله ليلطف بها ليعينها ويضاعف لها الأجر والمثوبة جزاء صبرها..!
إنني أبعث بنداءٍ وبصوتٍ عالٍ: أين أنتم أيها الأبناء..؟
أين أنتم يا من تركتم البر، وتكالبتم على الحياة التي أغرتكم، حتى إنكم نسيتم من حملت وتعبت ووضعت وأرضعت..!؟
هل نسيتم قول خالقكم جل وعلا {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}... ماذا أقول عن عقوق الوالدين..!
وأتساءل: أين قلوبهم..؟
أيعقل أن تهجر أم مدة طويلة من السنوات وهي طريحة الفراش، دون أن يقرع بأبها أحد أو يسأل عنها أبناؤها..!؟
للأسف أقولها بحرقة ومرارة لقد أصبحنا في زمن العجائب، فقصة هذه السيدة ليست الوحيدة من نوعها، بل هناك الكثير من القصص اللواتي تشبهنها في دور الرعاية، والأربطة ودار العجزة لمن هجرنهن أبناؤهن بلا رحمة أو ضمير، وينتظرن لمسة عطف ونظرة حنان، ويذرفن الدموع ليل نهار..!
ولعل هذا من إفرازات المادة التي أصبح التكالب عليها ونسي البعض منهم الواجب تجاه أقرب المقربين إليه.! حتى باتوا ينسون المنهج الديني الذي أوصى به خالقنا في كتابه العزيز، وكذلك سنّة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام البر بالآباء والأمهات ومازالوا يلهثون وراء الحياة التي شغلتهم حتى عن أنفسهم، ثم الغفلة وقسوة القلوب والجحود.!
وسأترك للقارئ الكريم الحكم على هذه الشريحة من الناس، التي غفلت عن الكثير، ولم تعد تفكر إلا في أنفسها، لأنها نسيت كل شيء يربطها حتى بأقرب الناس إليها. إنها شريحة ناكرة، وضلت سواء السبيل.!
مرفأ: ليس المهم أن تملك قلباً.. ولكن ماذا تشعر به هو الأهم.!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved