Monday 5th July,200411603العددالأثنين 17 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

رحلة متميزة رحلة متميزة
بقلم: د. عبد العزيز بن عبد الله الخويطر

حج سعد بن أحمد الربيعة عام 1345هـ مع صحب له فيهم الرجال، وفيهم النساء, وكان منطلقهم من مدينة الزبير في العراق، وامتطوا للرحلة - كما هو المتبع في تلك السنين - ظهور الإبل للركوب، وللأحمال، ولحمل الهوادج.
بدأت الرحلة يوم الاثنين، الثاني والعشرين من شهر شوال، ووصلوا مكة في اليوم الخامس من شهر ذي الحجة، وعلى هذا أخذت الرحلة نحو أربعين يوماً ذهاباً، وثلاثة وأربعين يوماً للعودة بعد زيارة المدينة المنورة.
وسعد هذا رجل مثقف، مرتب الفكر، نابه، أدرك أهمية تسجيل هذه الرحلة يوماً بعد يوم، بدقة متناهية ما أمكنه ذلك، على ما كان يتعرض له من مرض، وتعب من مشقة الرحلة، ولم يسمح لكل هذا أن يمنعه من برنامج التسجيل. ومن مظاهر إتقانه عمله أنه كان يستفيد من المخترعات الحديثة لقياس المسافات ودرجات الحرارة.
* * *
** لهذا أصبحت هذه الرحلة، وهذه المذكرات مهمة لنا جداً، لأنها أعطت صوراً نادرة عن الحج في هذه الحقبة: الاستعداد له، بما في ذلك الإبل والهوادج، وعدة الركوب، والحمل وعدته، أو الاستعداد في التموين للزاد وللقهوة والشاهي، ولم ينس أن يشير إلى قوة الجمال. ومن ذلك كذلك أوقات النزول، وأوقات المسير، وما يحكم هذا ويحكم ذاك، ووصف في هذه الرحلة المخاطر التي تعرضوا لها، وما تقتضيه أمور معرفة الطريق، وما يحتاجه ذلك من الأدلاء، ولم ينس أن يلمس الجوانب الاقتصادية، فذكر أسعار بعض ما اشتروه من مستلزمات السفر قبل بدئه، وما ابتاعوه أثناءه. وأتاح لنا بهذا مقارنة تأتي بنتائج مدهشة.
* * *
** هذه المذكرات لبنة من ذهب تضاف إلى صرح تاريخ المملكة العربية السعودية في وقت مهم جداً في وقت وحّد فيه الملك عبد العزيز بلدان نجد، وبعد سنة من دخوله جدة. ووصف المؤلف لمكة المكرمة والمدينة المنورة يعدّ من أوضح الصور عن بدء تأسيس الملك عبد العزيز بعض الأمور المتصلة بالحج، ويبين ما يعد صورة لما كان عليه الوضع قبل عهده، ويبين ما كان يتوقع أن يقوم به من جهود شاقة لإدخال أساليب جديدة لراحة الحجاج بعد أن أمنت الطرق. ويكفي مثلا عن الهموم التي واجهت الإدارة الجديدة عدم مجيء الكسوة كالمعتاد في كل عام؛ مما اضطر المسؤولين إلى صنعها في مكة المكرمة، وكان في ذلك فتح جديد استمر إلى اليوم.
الكتاب مهم، وقراءته فيها فائدة متناهية، وهي لمن عاش في ذلك الزمن تجديد منعش لذكريات جميلة، ولمن جاء بعد ذلك في زمن السيارات والطائرات، والطرق المسفلتة، نافذة يطل منها على مناظر مدهشة لا يمكن أن تتصور من غير هذه المذكرات وأمثالها، ولعل من يقارنها بما كتبه عبد القادر الأنصاري الجزيري (من أهل القرن العاشر الهجري) عن رحلته التي سماها (الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة) التي حققها الشيخ حمد الجاسر، ونشرتها دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، يرى الفرق بين الزمنين.
أما رحلة سعد الربيعة فعنوانها (رحلة الحاج من بلد الزبير بن العوام إلى البلد الحرام) وقد طبعتها دارة الملك عبد العزيز بالرياض.
* * *
* * وبعد:
الفضل لله - سبحانه وتعالى - على أن هدى سعداً إلى كتابتها، وإعطاه القوة على مداومة التدوين، رغم المشاق التي تعرض لها. ثم لابن سعد عبد العزيز، الذي جمع هذه المذكرات، واستنسخها، ثم لحفيد سعد سعود الذي أكمل ما بقي بعد وفاة والده، وإيصالها إلى الصورة التي أقنعت, ويحق، دارة الملك عبد العزيز بطبعها، لتحتل مكانها اللائق بها بين الكتب المختارة.
جزى الله الجميع خيراً على ما قدموا، وعلى ما قاموا به، وقبل منهم هذا العمل الوطني الإسلامي المفيد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved