إذا لاحظتم أني أكتب عن السلامة ومخارج الطوارىء في مبنى الجوازات فتأكدوا بأني قمت مؤخراً بزيارة للمبنى. لا أخفي شعوري بالسرور عندما شاهدت لوحات ورقية تشير إلى مخارج نجاة. مع ملاحظة أن هذه اللوحات مطبوعة على أقرب كمبيوتر في نفس الإدارة وملصقة بصمغ. ربما يراها البعض نوعاً من براءة الذمة. لكن هذا يعتبر البداية، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. وإذا درسنا قانون الصدفة سنرى أن هذه اللوحات الملصقة بعلوك يمكن أن تساعد على تجنب حوادث الدعس والتوطي التي سوف تحصل إذا شب حريق بمقدار خمسة في المائة. وخمسة في المائة سيكون رقماً عظيماً إذا قدرنا أن عدد الناس الذين يتواجدون في المبنى في الذروة حوالي خمسة آلاف.. وهؤلاء الخمسة في المائة لن تتحقق لهم النجاة بسبب توفر مخارج نجاة حقيقية. فحسبما شاهدت عند صالتي الجوازات السعودية فإن قرطاسة مخرج النجاة لا تقود إلى مخرج نجاة يفضي إلى الخارج مباشرة وإنما إلى مخرج آخر يقود في النهاية إلى نفس الدرج الذي سوف ينحدر معه الهاربون كلهم. فهذه الورقة هي تأخير مخادع للجالسين في الصالة اليسرى. سوف يصلون إلى الدرج الوحيد بعد أن يكون زملاؤهم في الصالة اليمنى قد تجاوزوها. مشكلتهم أنهم سوف يمرون من عند الروائح الكريهة التي تنبعث من الحمَّام هناك ولكن مع الركض والتدافع لن يتوفر لديهم وقت للتلطم. بل إن معظمهم سيكون قد فقد شماغه أصلاً. والتاريخ لم يذكر أن أحداً تلطم بطرف ثوبه.
كلما سمعت تصريحات مسؤول عربي وليس في المملكة فقط أتذكر حس الرسوب الذي كنا نتمتع به عندما كنا في الابتدائية.، كان الواحد يعود إلى البيت بعد الامتحان وإذا سأله والده ها بشِّرْ قال أبشرك ما سقطت إلا في درسين على أساس أن صالح ولد الجيران سقط في أربعة وناصر ولد عمه سقط في ستة فإذا هو يستحق حفلة على هذا المستوى المميز من الرسوب. كأنَّ النجاح غير موجود أصلاً. هذا ليس على المستوى الفردي أو الإداري، بل على مستوى عتاة موجهي الثقافة العربية. شاهدت قبل عدة أيام الكاتب المصري محمد حسنين هيكل يعبِّر عن حس الرسوب هذا أحسن تعبير. قال مدافعاً عن دكتاتورية جمال عبد الناصر إن عدد السجون في عهده يعتبر الأقل. لا يملك المثقف أو السياسي أو الإداري العربي سوى مقارنة السوء بالسوء. أيهما أسوأ ونظام القراطيس الملصقة في حيطان مبنى الجوازات سيكون مبرراً لتصريح مدير السلامة في الجوازات (إذا كان يوجد هذا المنصب أصلاً في الجوازات) سيخرج وعلى وجهه ابتسامة سبق له أن رسمها على وجهه عندما كان طالباً في الابتدائية. ليقول إن نسبة الضحايا تعد الأقل في الحوادث المشابهة، يعود الفضل في هذا إلى نظام الإخلاء المعتمد وخاصة نظام القراطيس الملصقة كيفما أتفق.
إذا كان توفير مخارج نجاة حقيقية مدروسة أصبح أمراً متعذراً في مبنى الجوازات فعلى الأقل يصار إلى وضع كاميرات في المبنى لتصوير حالة الفزع والتراكض التي سوف تصيب المتدافعين يوماً من الأيام ليتسنى للخبراء دراسة سلوك الرعب أثناء الأزمات.
فاكس: 4702164
|