وعنوان المقالة الحادية عشرة من كتاب الأستاذ السمّاك: (البعد الديني للحرب على العراق). ويبدأ بالإشارة إلى أن قرار الحرب (العدوان) على العراق كان وفق الخلفية الدينية المذكورة في المقالة السابقة، وهي التي تحدَّثَتْ عن علاقة الرئيس بوش بالصهيونية المسيحية. وبتلك الخلفية، أيضاً، طلبت وزارة الدفاع الأمريكية من الجنود الذين أرسلوا لاحتلال العراق ان يدعوا الله لتبقى قرارات الرئيس قرارات (إلهية). ومن اللافت للنظر ان المؤلف ركّز - في الواقع - حديثه عن قضية فلسطين وممارسة الصهاينة لجرائمهم ضد الشعب الفلسطيني، وهي الجرائم المؤيّدة تأييداً غير محدود من قبل الإدارة الأمريكية.
بل إن القس روبرتسون المشهور وصف اغتيال رابين، الذي وافق على ما تمَّ في أوسلو، بأنه من أعمال الله نُفّذ فيه لخيانته شعبه بموافقته على تقسيم أرض الله.
وهكذا يتضح أنه يوجد بين المسيحيين المتصهينين الأمريكيين من هم أشد عداوة للعرب والمسلمين، وأشدُّ تحمُّساً لأهداف الصهاينة اليهود المتطرّفين من بعض زعامات الكيان الصهيوني نفسه.
فهل يلام كاتب هذه السطور إذا قال في قصيدته عن أحد مؤتمرات القمة العربية:
سيَّان قادة أمريكا - وإن جحدوا -
وعصبة لبني صهيون تنتسب؟
على أن الأستاذ السمّاك في مقالته الثانية عشرة - وعنوانها: (الرئيس بوش ومصالح إسرائيل في الشرق الأوسط) - بدأ حديثه بتتبُّع الوجود اليهودي في أمريكا، وتتابُع نمو نفوذ الصهاينة هناك. ثم نقل عن المعلق السياسي كريستوف قوله:
إن قرار الرئيس بوش الحرب على العراق يعكس، إلى حدٍ بعيد، مدى تأثير اليمين الديني الإنجيلي عليه، وبالتالي فان لهذه الحرب بعداً دينياً واضحاً. وإضافة إلى ذلك كانت وراء القرار مصلحة إسرائيلية مباشرة بتحقيق المشروع الصهيوني بتقسيم المنطقة العربية إلى دويلات طائفية ومذهبية مما يؤمِّن لإسرائيل أمناً استراتيجياً على المدى البعيد.
ونقل الأستاذ السمّاك، أيضاً، عن السناتور موران قوله:
إن الحرب على العراق نسيج أيدي اليهود الأمريكيين، ولولا دعم المجموعة اليهودية القوي لهذه الحرب لكنا تصرفنا بشكل مختلف.
وفكرة تقسيم المنطقة العربية إلى طوائف دينية وعرقية طرحها عدد من المفكرين السياسيين الأمريكيين. وكان من بين هؤلاء وأخطرهم وزير الخارجية الأمريكية الصهيوني، كيسنجر، الذي تطالب حكومات أمريكية جنوبية وجماعات حقوق إنسان هناك بتقديمه للعدالة بتهم ارتكابه جرائم حرب.
وقد اختتم الأستاذ السمّاك حديثه في المقالة الثانية عشرة من كتابه بذكره تدفّق الجماعات الدينية التابعة للحركة الصهيونية المسيحية على العراق مزوّدين بمساعدات إنسانية غذائية وطبية أملاً في تنصير من يستطيعون تنصيره من العراقيين (1). على ان ما ارتكبه المحتلون الأجلاف أخلاقياً بحق الشعب العراقي من جرائم الامتهان والإذلال سيكون أحد أسباب فشل هؤلاء في مسعاهم بإذن الله.
وعنوان المقالة الثالثة عشرة من كتاب الأستاذ السمّاك: (الصورة الجديدة للولايات المتحدة) وقد قارن فيها بين صورة أمريكا في السابق، وبخاصة قبل الحرب العالمية الثانية، عندما كانت تظهر نفسها بمظهر المدافع عن حقوق الشعوب المظلومة (وهو أمر فات، فيما يبدو، المؤلف الكريم ان يدرك بأنه كان مجرّد تظاهر) والصورة التي أصبحت فيها، إذ أعمت ساستها غطرسة القوة التي تتمتّع بها.
أما المقالة الأخيرة من الكتاب المتحدث عنه فعنوانها: (براءة المسيحية من الصهيونية المسيحية). وهذا الموضوع - حقيقة - ليس في صميم الموضوع العام للكتاب. ومن أبرز ما ورد في هذه المقالة الإشارة إلى اجتماع رؤساء كنائس مسيحية من أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط في ألمانيا لإيجاد موقف مشترك رداً على التهديد العسكري ضد العراق.
وموقف فئات من المجتمعات الغربية، التي أقدم حكامها في أزمان متعددة على ارتكاب جرائم بحق الشعوب، معروف ومقدّر، بل إن شخصيات يهودية وقفت - وما زالت تقف - مع الحق، وتبيّن جرائم الكيان الصهيوني وتندّد بها تنديداً يفوق تنديد بعض الزعامات العربية والإسلامية. ومن هذه الشخصيات عالم اللغويات تشومسكي. وما زلت أذكر ان اتحاد العرب في بريطانيا دعا، سنة 1968م، يهودياً برتبة راباي من أمريكا ليدافع عن الفلسطينيين ضد الكيان الصهيوني، وذلك في مناظرة حضرها الكثيرون، ونال هو قصب السبق في دفاعه عن الحق.
ومثل هذه الشخصيات التي لا ترجو من العرب جزاء ولا شكوراً، كثيراً ما قصّرت في إظهار تقديرها الجهات العربية المعنية، رسمية أو شعبية، مع الأسف الشديد.
بل إن من المشاهد قيام فئات شعبية غربية بمظاهرات احتجاج على جرائم الكيان الصهيوني، ومن الأفراد من أتوا إلى فلسطين المحتلة، وعرّضوا أنفسهم لصلف أجلاف هذا الكيان احتجاجاً على تلك الجرائم وعلى إقامة جدار الفصل العنصري، الأمر الذي لم يقم به أفراد من مجتمعات الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع ذلك الكيان.
على ان جهود تلك الفئات والشخصيات المقدّرة من كل الذين ينشدون العدل والإنصاف، ويجلّون من يقفون مع الحق، لم تؤثّر التأثير المؤمل.
وما لم تكن هناك إرادة فاعلة لدى العرب والمسلمين، قيادات وشعوباً، فإن الآخرين مهما كانت نواياهم وأفعالهم طيبة لن يحققوا لهم الشيء الذي يحتم الواجب على أولئك القادة وهذه الشعوب القيام به.
لقد اعتدي على العراق، واحتلت أراضيها، وقضي على كثير من بنيتها الأساسية، كما نُكِّل بشعبها، وأهينت كرامة الآلاف منهم. وما افتضح من جرائم المحتلين بالمعتقلين - وكلها جرائم حرب مخزية - ليس كل ما ارتكب بالتأكيد. فما زالت تتدفق وثائق تلك الجرائم في صحف الدولة الأمريكية المحتلة وصحف حليفتها وتابعتها في الاحتلال بريطانيا. وفي مخطط الإدارة الأمريكية، التي اكتشف العالم حقيقتها، أن العراق بداية لارتكاب جرائم أخرى في المنطقة. ولذلك عندما خطب الرئيس بوش في اجتماع الإيباك الأخير، وأكمل حديثه عما قام به في العراق التفت إلى رئيسة تلك العصابة مبتسماً منتشياً قائلاً: (هذي هي البداية).
(1) في يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الآخر 1425هـ أذاع راديو لندن مقابلة مع القس جراهام أوضح فيها شيئاً من نشاط جمعيته في العراق. |