يعيش عالم اليوم ظلماً اقتصادياً متعدد الأشكال والألوان، حيث إن 75% من دخل العالم تتركز في يد ربع سكان العالم، في حين يتبقى 25% فقط لبقية دول العالم الفقيرة.
وتعتبر مشكلة الديون من أخطر مشكلات العالم المعاصر، فقد بلغت هذه الديون 1.4 تريليون دولار حسب ما أعلن في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية في كوبنهاجن.
ويتخوف كثير من المراقبين أن تكون الديون الرهيبة على العالم الثالث سلاحاً لاستعمار جديد فالتاريخ يعيد نفسه من جديد.
وقد شبهت شريل بييار مشكلة الديون بنظام العبودية، حين قالت: إن بالامكان مقارنة نظام الديون العالمي، بنظام العبودية، إذ لا يستطيع العامل في النظام العبودي أن يترك العمل لدى رب عمله، لأن هذا الأجر يؤمن له السلفات الضرورية لشراء بضائع باهظة الثمن من مخزن الشركة لتكملة أجوره الزهيدة. وهدف رب العمل - الدائن التاجر هنا - ليس استرداد الدين مرة واحدة ولا تجويع العامل، إنما إبقاء العامل مرتبطاً به بصورة دائمة عبر ديونه.
إن هذا النظام العبودي نفسه، يسود على المستوى الدولي، فالبلدان المستقلة حديثاً، نجد أن ديونها وعجزها الدائم عن تمويل حاجاتها الراهنة تجعلها مرتبطة إلى الدائنين برباط صارم.
وإذا ظلت هذه البلدان النامية ضمن هذا النظام فإنها محكومة بالتخلف الدائم، وبتنمية صادراتها لخدمة المشروعات المتعددة القوميات، وعلى حساب التنمية لتأمين حاجات شعوبها.
ويعد هروب رأس المال على نطاق واسع عاملاً مهماً من العوامل التي ساهمت في زيادة حدة أزمة الديون في العالم الإسلامي، إن كميات كبيرة من أموال العالم الإسلامي تستثمر في العالم المتقدم، وتقدر بما لا يقل عن 700 مليار دولار.
ولذا، وصف فيلي برانت التدفق السنوي للأموال من البلدان المدينة (النامية) إلى البلدان الدائنة (المتقدمة) بقوله: إنها بمثابة نقل دم عكسية من المريض إلى الطبيب.
يقول عبد سعيد عبد إسماعيل في كتابه (أزمة المديونية الأجنبية في العالم الإسلامي): إن استمرار ظاهرة المديونية سيؤثر عكسياً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المدى الطويل لهذه الدول (النامية)، باعتبار أن هذا العجز يشكل نزيفاً مستمراً في إمكانات الدول النامية وقدراتها المادية.
بل إن ذلك يعد إرهاباً اقتصادياً لتلك الدول، وتهديداً لاستقلالها واكتفائها الذاتي.
|