Sunday 4th July,200411602العددالأحد 16 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الاقتصادية"

حرب الإشاعات التجارية حرب الإشاعات التجارية
سلطان بن محمد المالك*

الحروب دمار وهلاك للشعوب..... في كل أشكالها وأنواعها......
كفانا الله وإياكم شرورها وأخطارها.......
ما نحن بصدد الحديث عنه حرب أخرى.....
حرب من نوع آخر...لا تستلزم العتاد العسكري... ولا تقنيات حربية متقدمة....
هي حرب دون أسلحة فتاكة....حرب سلمية....
لكنها قد تكون مدمرة لاقتصاديات البلد.....
حرب الإشاعات التجارية موضوع هذا المقال.........
انتقل مصطلح الحروب إلى قطاع الأعمال والتجارة وأصبحنا نسمع بالعديد من الحروب في هذا القطاع، فقبل عدة سنوات نشبت حرب أسعار ضروس بين منتجي وصناع الألبان في السوق السعودي أطلق عليها (حرب الألبان) وتم احتواؤها بعد تدخلات رسمية من وزارة الزراعة بتحديد سقف للأسعار وتم إلزام جميع شركات الألبان به. الحروب في القطاع التجاري تعد خفية وغير معلنة ومن أبرزها في الوقت الحاضر حرب الإشاعات التجارية والتي من خلاها يتم نشر ونقل أخبار (صحيحة أو غير صحيحة) عن شركة ما أو نشاط معيّن بهدف التأثير على سلوك الآخرين (إيجاباً أم سلباً) وقد تستخدم من قبل بعض الشركات للتأثير على المنافسين في بيئة تحتدم فيها المنافسة.
السؤال المطروح، ما هي الدوافع وراء لجوء بعض الشركات أو الأفراد إلى استخدام حرب الإشاعات التجارية؟
هل هو بسبب إحساسها بخطر المنافسة وتخوفها من الخروج من السوق؟
أم بسبب عدم تمكن المنشأة من تحقيق أهدافها من خلال زيادة مبيعاتها وأرباحها؟
أم بسبب اشتداد حدة المنافسة بين المنشآت؟
أم بسبب فقدان بعض المنشآت لحصتها السوقية؟
أم بسبب عدم مقدرة المنشأة على مجاراة منافسيها؟
أم بهدف محاربة النجاح الذي حققه الآخرون؟
كل ما سبق قد يكون صحيحاً وقد يكون هناك أسباب ودوافع أخرى غير معلنة وخفية من قبل بعض منسوبي الشركات وهي أسباب قد لا يتم فيها مراعاة الأخلاق المهنية ومن أمثلتها: نشر أخبار كاذبة عن رفع أو خفض أسعار منتج أو خدمة معينة، إشاعة اكتشاف مواد معيبة في منتج ما وغيرها من الأمثلة التي سوف نستعرض بعضاً منها في هذا المقال.
تنشأ الإشاعة التجارية عادة بسبب غياب الرقابة الصارمة والعقاب الرادع لمروّجيها من قبل الجهات الرسمية، وغالباً ما يكون هناك مستفيدون ومتضررون من الإشاعات التجارية وتشمل (التجار، الباعة، الوسطاء، المحتكرين، العملاء والمستهلكين). العديد من الشركات الكبيرة والصغيرة معرضة لخطر الإشاعات الكاذبة التي يتم ترويجها ونشرها من مصادر غير معروفة ولا يمكن تحديدها. وانتشار الإشاعة في الوقت الحالي أصبح سهلاً جداً مع تقدم وسائل الاتصال ونقل المعلومات والإنترنت.
عادة ما تكون الإشاعة قوية لحظة انطلاقها وتزداد قوة عندما يتناقلها مجموعة من الأشخاص ويصبح من الصعب على المنشأة دحضها وتفنيدها في البداية وكل المحاولات قد تكون فاشلة وعديمة الفاعلية. ومشكلة الإشاعة أنها تكون غير موثقة ولا يعلم مصدرها أو حتى صحتها. وقد أشارت دراسة تسويقية حديثة إلى أن ما نسبته 93% من الإشاعات التي يتناقلها الأشخاص تكون إشاعات تجارية سلبية.
ومن الناحية الشرعية فقد جاءت التعاليم الربانية على نبينا صلى الله عليه وسلم محرّمة ترويج أو نشر الإشاعات وحثّت على وجوب التثبت من صحة الخبر قبل نشره، فقد قال تعالى في محكم كتابه المنزل{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} وسبب نزول هذه الآية خبر غير صادق نشره أحد الصحابة، والآية جاءت لتحذّر من نشر أي خبر فيه تهويل أو تزييف إلا بعد التثبّت من صحته.
شدني هذا الموضوع للبحث بشكل أعمق عن أمثلة لشائعات تجارية ودورها في رفع الأسعار والتأثير بشكل عام على السوق، ففي خبر نشر في مقدمة الصفحة الأولى من صحيفة الاقتصادية في العدد رقم 3897 يوم السبت 24 ربيع الآخر 1425 هـ يفيد بأن شركات الألبان بدأت بتحويل حرب الأسعار إلى منشورات وحرب إشاعات، وأشارت الصحيفة إلى أن حمى التنافس بين شركات الألبان أخذت منحىً جديداً بدخولها (حرب الشائعات) حيث اكتشفت شركة ألبان أن مندوبين يتبعون شركات منافسة يوزّعون منشورات تتهم الأولى بإضافة مواد كيماوية ضارة إلى منتجاتها. وعلى حسب قول الصحيفة فقد وصلت القضية إلى مرحلة متقدمة وباشرت الجهات الأمنية في المنطقة الجنوبية التحقيق في تورط مجموعة من الأشخاص من جنسيات مختلفة بتوزيع منشورات في عدد من البقالات والسوبر ماركت تتهم إحدى شركات الألبان الكبرى بأنها تضيف مواد كيماوية ضارة إلى منتجاتها. وأشار الخبر إلى أن بعض المتهمين يعملون لدى شركات ألبان منافسة في السوق. فإن كان هذا الخبر صحيحاً فهو كارثة في حق المستهلك، أما إن كان كاذباً ومحرضاً من قبل شركة منافسة فهو يشير بشكل واضح إلى وجود نوعية من أصحاب القرار في بعض الشركات ذات تفكير محدود جداً وتستخدم حيلة العاجز بسبب عدم مقدرتها على مجاراة القادة في السوق.
هناك جانب هام يجب التنبيه إليه وهو مصدر نقل ونشر الشائعة، فإذا كانت عبر صحيفة أو وسيلة إعلامية فمن مسؤولية ناقل وناشر الإشاعة التأكد من صحتها قبل نشرها، حيث في حالة نقلها ونشرها فسوف تصبح خبراً يتناقله الآخرون مشافهة فيما بينهم ومن ثم تصبح خبراً ينسب إلى الصحيفة كما ورد في المثال أعلاه.
ظاهرة الإشاعات التجارية لها العديد من الآثار السلبية في مختلف المجالات ومن أهم آثارها السلبية أنها تعرض سمعة المنشأة للخدش وفقدان الثقة من العملاء. عندما تبدأ الإشاعة في الانتشار والتناقل من شخص لآخر يبدأ تأثيرها بوضوح على مبيعات المنشآت وعلى ارتفاع وانخفاض الأسعار الخاصة بالمنتجات والخدمات، وتبدأ المنشأة في معركة حامية ليست فقط لمواجهة انخفاض المبيعات بل لمحاولة استعادة ثقة عملائها وعدم فقدان ولائهم لها الذي من الصعب تعويضه. وتنتشر هذه الظاهرة في سوق العقار والأسهم بشكل كبير جداً، فعلى سبيل المثال قد يلجأ ملاك لمخطط أراض معيّن الى نشر شائعة عن قرب دخول الخدمات لهذا المخطط في محاولة لرفع سعر المخطط وبيعه بأسعار مرتفعة، وقد تطول المدة ولا يحدث شيء من ذلك القبيل ويكون الضحية ذلك المستهلك البسيط الذي أراد أن يدخل مجال الاستثمار العقاري معتمداً على ثقته بذلك المكتب الذي روّج الإشاعة. الأمثلة كثيرة جداً ولا يتسع المجال هنا لذكرها.
في بعض الأحيان تتدخل الجهات الرسمية في الدولة لدحض ونفي الإشاعة مثال ذلك ماحدث لشركة Kellogg's المشهورة ببيع منتجات حبيبات القمح (الكورنفلكس) عندما تم نشر إشاعة مغرضة في السوق السعودي مفادها أن منتجات الشركة تسبب مرض السرطان، وانتشر الخبر وتناقله الناس فيما بينهم ونتيجة لذلك تأثرت مبيعات الشركة في السوق السعودي، وبعد ذلك تدخلت وزارة الصحة بالتحقق من الموضوع وبعد التأكد من عدم صحته تم نفيه رسمياً ونفي الإشاعة ونشر ذلك في الصحف وقامت الشركة بعد ذلك بحملات توعية للمستهلكين كلفتها الكثير في سبيل إعادة ثقة المستهلك في منتجاتها.
المجتمع بعاداته وتقاليده ومستوى الوعي لدى أفراده يلعب دوراً مؤثراً على مدى تقبل أو رفض الشائعة التجارية، لذلك وجب على المنشأة التعامل بحذر في هذا الخصوص وأن تأخذ في اعتبارها اختلاف العادات والتقاليد بين الشعوب عند محاولتها نفي الإشاعة الموجهة ضدها خصوصاً عندما تكون تخدم أسواق خارجية وتتواجد في دول عديدة. مثال ذلك ما تعرضت له سلسلة مطاعم مكدونالدز العالمية لإشاعة بأنها تستخدم لحم الخيل في وجباتها وهذا ما نفته الشركة مباشرة في كل الأماكن التي تتواجد بها على الرغم من أن هذه الإشاعة قد لا تؤثر على زبائنها في فرنسا حيث إنهم يأكلون لحم الخيل.
ماالذي تستطيع عمله المنشأة لإيقاف الإشاعة السلبية عنها؟
كما أشرنا سابقاً فإن دحض أو تفنيد ونفي الإشاعة يعد أمراً صعباً للغاية والسبب أن الجهة التي تنفي الإشاعة هي نفسها الموجهة لها التهمة ولذلك السبب يفقد هذا النفي المصداقية. ومن الممكن أن يكون النفي فعالاً في حالة صدوره من قبل إحدى الجهات الرسمية كما حدث عندما تدخلت وزارة الصحة ونفت الخبر الكاذب عن تسبب منتجات شركة كيلوقز بالإصابة بالسرطان.
ويبقى السؤال ماذا تفعل المنشأة في حالة عدم نجاح نفي الإشاعة؟
يوصي المختصون في التسويق باتباع إستراتيجية تعتمد على القيام بنشر أخبار إيجابية عن الشركة في نفس الوقت الذي انطلقت فيه الإشاعة وعدم الإشارة لا من قريب ولا من بعيد للإشاعة. مثال ذلك ماقامت به شركة مكدونالدز عندما ركّزت في حملتها الإعلانية وقت الإشاعة عنها باهتمامها بنظافة مطاعمها وعملائها وأسعارها المنافسة.
خلاصة القول، إنه بغض النظر عن المسببات والدوافع للإشاعة التجارية فإنها سوف تؤثر على المنشأة وبالتالي فإن مسؤولية القائمين على المنشأة أن يسعوا إلى إيجاد حلول عملية لمقاومتها ومحاولة التغلب على الظروف التي وضعتها، وألا يتم اتخاذ إجراءات مستعجلة بل يجب الهدوء ودراسة الإشاعة دراسة متأنية والتفكير في إيجاد طرق عملية إيجابية لحل المشكلة ومن ثم البدء باتخاذ الإجراءات السليمة للتصدي لها. ويجب دائماً أن نضع نصب أعيننا أن هدف مروجي الإشاعات السلبية هو التأثير على صانعي النجاح ومحاولة زعزعة أنشطتهم وذلك بسبب عدم مقدرتهم على تحقيق النجاح. فمروجو الإشاعات هم أعداء النجاح.

* مستشار تسويق


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved