* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل فهي روح الأرواح وطهر النفوس وقوت القلوب ومبلغها لرضا علام الغيوب وزاد الضمائر بها ترق المشاعر وتقبل الشعائر وبها النجاة يوم تبلى السرائر.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها يوم أمس في المسجد الحرام: في الظروف العصيبة التي تعصف بالأمة وفي خضم المتغيرات المتسارعة والأحداث المتلاحقة التي يعيشها العالم اليوم يتطلع الغيورون بل والمنصفون في العالم إلى كل ما يعزز فرص الأمن والاستقرار الدولي والرخاء والسلام العالمي الذي يشعر الأفراد والمجتمعات بل الشعوب والأمم بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان ومن ثم التعاون بشكل متكامل في بناء الحضارة الإنسانية وتحقيق النماء والتقدم للبشرية دون استعلاء أو ظلم أو تسلط او استغلال وان الغيور ليعتصره الأسى وهو يرى العالم اليوم يبدو في معظمه ليس موقعا للتضامن والأمن في ظل تصفية حسابات أنانية ونظرات مادية بين عولمة كاسحة وتبعية فاضحة وجهل متفاقم وفقر متعاظم وظلم مستشر وارهاب مستفحل وتوازن دولي جائر وهيمنة القوى الكبرى على كثير من مقدرات الأمم والشعوب وهنا تتأكد أهمية سيادة لغة الحوار وتغليب منطق العقل والحكمة وتحقيق المصالح العليا في الأمة والحرص على استتباب الأمن والسلام اعتباره الوسيلة الناجعة لحل مختلف القضايا العالمية والمشكلات الدولية التي تعترض سبيل اسعاد البشرية ولذا فإن الحاجة ماسة إلى فهم الإسلام الحق والجد في نشر مفاهيمه الصحيحة وتقديمه للعالم بصورته المشرقة رحمة وعدلا وتسامحا وامنا والتأكيد على انه ليس عقيدة متسلطة تفرض على العالم مفاهيمها ونظمها خلافا للدعاية المغرضة والحملات المسعورة التي يروج لها في بعض وسائل الإعلام العالمية مستغلة ما يقوم به بعض المنتسبين إلى الإسلام من اعمال إرهابية وان ذلك لا ينبغي ان يجر أولي العقول والبصيرة، فالإسلام الحق يحرم الأعمال الإجرامية الإرهابية والأفعال التخريبية الافسادية وبعد من يقوم بها منحرفا عن الحق خارج عن اطار الشريعة مخالف النظم والأعراف والمجتمعات الإسلامية والإنسانية والذين يقومون بها فئة نشاز في الأمة لا يمثلون إلا فئة قليلة لا يؤبه بها.
وقال فضيلته انه مع شديد الأسف ان بعض وسائل الإعلام المعادية ضخمت من شأنهم لقد قدم هؤلاء للعالم صورة قاتمة عن الإسلام وأهله فهم والله لا للإسلام نصروا ولا للكفر كسروا لقد قدموا لأعداء الأمة خدمات جليلة بأطباق مذهبة وضيعوا على الامة فرصا كبرى في الدعوة إلى دين الله فكم تضررت أعمال الدعوة والحسبة وضيقت المجالات الخيرية والاغاثية فهل نحن في شك من ثوابتنا وقيمنا كيف وقد تجرأت بعض الأقلام الحاقدة ووسائل الإعلام المغرضة على ثوابت الدين ومثل الأمة وقيم المجتمع واتيحت الفرصة للناعقين النفعيين الانتهازيين المزايدين على الشريعة من ذوي القلوب المريضة والأهواء البغيضة فأجلبوا بخيلهم ورجلهم للاصطياد في المياه العكرة تشويها لسمعة الصالحين وتطعنا في المتدينين عبر اطروحات مغشوشة ومنتديات مشبوهة تهدف إلى الإثارة والبلبلة فزادوا من البلاء بلاء ومن الفتن فتنا وهذا شأنهم في الأزمات وديدنهم في الأحداث والملمات الا فليتق الله هؤلاء وأولئك ويدركوا ان سفينة الأمة قد تغرق بخرق الجافين كما تغرق بخرق الغالين ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
اخوة الإيمان كم في الأحداث والأزمات من دروس وعبر وعظات تمحيص وابتلاء {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} في الأزمات بترسخ الإيمان وتتجلى عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} كما يظهر صدق التوكل على الله من التواكل على غيره فيها استشعار وحدة الأمة وتضامنها وسقوط كل الأقنعة والشعارات وتمييز الخبيث من الطيب ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من يحيا عن بينة وظهور خطر المنافقين والمارقين والمفسدين وتجلي صدق العلماء الربانيين والدعاة المخلصين الذين يمثلون صمام الامان في الأمة وأطواق النجاة المهمة في نوازلها المدلهمة واتاحة الفرص للمتفائلين العاملين واستنهاض الهمم للبائسين والمثبطين فأمة الإسلام عبر تاريخها الطويل لا تعرف الوهن والاستسلام ولا تخضع أمام الشراذم والاقزام والا تستسلم للحوادث والأزمات بل سريعا ما تنهض من كبوتها وتفيق من رقدتها لتحقق تفاعلا ايجابيا في خدمة قضايا الأمة بجميع جوانبها عبر منهجية مدروسة وتخطيط محكم سليم يحقق المقاصد الشرعية ويعلي الآداب المرعية ويضيع الفرص على الأعداء المتربصين والمتشفين المفسدين
الا ما احوج الأمة إلى استلهام الدروس والعبر الناصعة من هذه الأحداث المعاصرة مستشعرين نعمة الله علينا بهذا الدين القويم والأمن الراسخ المتين الذي يحرم ويجرم قتل الأنفس المعصومة وينهى عن الحاق الضرر بالأبرياء ويحض على البناء والاعمار ويحذر من التخريب والدمار والتعرض للأموال والحقوق والممتلكات الخاصة والعامة بسوء ويدعو بصوت جهوري
ان دماءكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام، كتب الاحسان على كل شيء ويحرم الغدر والغيلة و خاصة في الرهائن والأسرى ويعد ذلك ضربا من الهمجية والوحشية المقيتة التي لا تقرها الشرائع السماوية فبأي كتاب ام بأية سنة فبأي دين ام بأية ملة يجري ما نراه اليوم ونسمعه من استمرار المسلسل التخريبي وتجدد فصول المشهد الاجرامي لا سيما في خير البقاع وأفضل الاصقاع بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله فهي ليست بدعا في تعرضها للعنف والارهاب محسودة في دينها وقيمها مستهدفة في وحدتها وأمنها واستقرارها عبر تحديات وضغوط خارجية وفتن ارهابية داخلية يأتي في وسطها تربصات أهل الزيغ والفساد والضلال وتيارات انفتاحي والاباحية والانحلال.
وقال فضيلته ان لبلاد الحرمين المحروسة دينا في ذمة كل مسلم يتوجه اليها في صلاته وأداء مناسكه ومسؤولية في عاتق كل واحد ليظل عينا ساهرة على أمنها واستقرارها وان كل مؤمن يحمل بين جوانحه قلباً مخلصاً ناضجاً للمسلمين ليغار على مكانتها ان تهتز ومقدراتها وأمنها ان تبتذ فأمنها أمن الدين ووحدتها وحدة جميع المسلمين وقوتها في مواجهة التحديات قوة لجميع المؤمنين وهذه الأمور لا تقبل المساومات ولا تخضع للمزايدات ولا تحتاج لمزيد تنظير أو عميق تفكير وهي لذلك تتطلب من كل ذي مسحة دين أو مسك عقل أو ذرة مروءة وانسانية أن يتبرأ الى الله من استباحة حمى الحرمين الشريفين فأولى بالأمة ثم أولى لها لا سيما أبناؤها والقاطنون على ثراها ان يوفروا كل قطعة درهم وكل قطرة دم بل كل خفقة قلب وخلجة عقل لمواجهة الأخطار المحدقة بها والدعوة موجهة من منبر المسجد الحرام الى كل المتورطين في أعمال العنف والاجرام ان يثمنوا مكرمة العفو وفرصة الأمان وأن يستثمروا ويستفيدوا من مبادرة الحلم والحكمة والمروءة وان يرجعوا الى جادة الحق والصواب ولزوم الجماعة والإمامة فالرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل وليتذكر هؤلاء أن أعمالهم تصب في مصلحة أعداء الدين والبلاد والأمة وليأخذوا العبرة من غيرهم وليقرأوا التاريخ فيا هؤلاء: إن الفرصة متاحة ومواتية والوقت يمضي سريعاً والعاقل من لا يشمخ بأنفه ويزهوا بنفسه ويشتط في رأيه ويغرق في التحدي والمثالية بل يتسم بالموضوعية والعقلانية ليسعه ما وسع جمهور المسلمين ويملك قدراً من الواقعية فالوالد الرؤم والأب المكلوم لا يسره أبداً أن يرى أبناءه مشردين ومطاردين فالله الله بأبنانئا في استثمار الفرصة الأخيرة لمن ضل الطريق لعله يتوب الى رشده ويقلع عن غيه وليعلم أن الشرع مطهرة ورحمة وخير ومغفرة وحكمة {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، إنها أيد حانية وقلوب رحيمة امتدت الى أبناء غرر بهم
ان المحب لهؤلاء المشفق عليهم ليأمل أن يغلبوا العقل والرشد والحكمة وأن تجد هذه الدعوة استجابة سريعة حقنا للدماء ودرءاً للفتن وحفاظاً على الأمن واستقرار المجتمع وتحقيق المصالح ودرء المفاسد عن البلاد والعباد والله المسؤول أن يهدي ضال المسلمين الى الحق وأن يحفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين من كيد الكائدين وعبث العابثين وعدوان المعتدين وأن يديم عليها أمنها وايمانها إنه خير مسؤول.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: ان من الدروس المهمة في هذه الخطوب المدلهمة حاجة الأمة الى فتح صفحة التقويم والمحاسبة والنظر والمراجعة في كثير من جوانبها وقضاياها اصلاحا للحاضر واستشراقاً للمستقبل وإفادة من أخطاء الماضي.
أليس الوقت مواتيا لمخاطبة العقول قبل العواطف وتغليب منطق الرأي والحكمة على رغبات الجماهير ويا شباب الاسلام عامة ويا شباب بلاد الحرمين خاصة الله الله في الثبات على دينكم زمن الأهواء والشهوات والتحديات والمتغيرات ليس من عاصم من أمر الله الا من رحم بالسير على منهج الأسلاف سائلوا أهل العلم المعتبرين عن كل مايشكل عليكم في أمور دينكم ودنياكم واستوضحوا الفهم عن كل ما زلت به الأقدام وضلت به الافهام لا سيما في مسائل الولاء والبراء والموقف الحق من غير المسلمين ووجودهم في جزيرة العرب والفهم الصحيح لمعنى اخراجهم منها وأنه غير ما فهمه أرباب المتعلمين وأعشار المتعاملين مما لم يسبق إليه عبر تاريخ الأمة مع توافر العلماء الربانيين والدعاة الصادقين والولاة المسلمين وكذا مرابط الجهاد الشرعي الصحيح وغير ذلك مما أشكل عليكم وليس بخاف دور الاسرة والأبوين الرائد في التربية والتوجيه وحسن الرعاية والمحافظة والاهتمام لا سيما في مثل هذه الأيام من الاجازات الصيفية في أعداد البرامج النافعة ووسائل القضاء على الفراغ لدى أبنائهم وتوافر الأجواء المناسبة والعناية بالرفقة الصالحة وكذا الفتيات بالحرص والمتابعة والمحافظة على الحجاب والعفاف والحشمة والفضيلة والحياء والاعتزاز بالسياحة داخل بلادنا المحافظة والأمة بحاجة الى توبة صادقة وإنابة مخلصة ورجعة الى الله ودعاء وتضرع أن يكشف الله الغمة عن هذه الأمة مع الثقة بالله ونصره ثم الثقة بالنفس والنظر الى الأحداث باعتدال دون تهويل ولا تهوين مع الأخذ بأسباب العلاج الوقائي والاجرائي بحلم لا ينقصه حزم وحكمة لا تجافيها قوة غير أن مما لا يفوت هنا الاشادة بتلك الانجازات الأمنية البارعة لرجال أمننا البواسل وليوث عريننا الأكاسر مما يذكر فيشكر ويروى فلا يطوى مع ما يؤمل من بذل المزيد مما يبشر بإذن الله بانقشاع سحابة العنف والإرهاب ويؤكد تهافت الفكر المنحرف وتساقط رموزه وذبول أوراقه ورسوخ جذور الأمن والأمان.
|