Sunday 3rd July,200411601العددالأحد 15 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
بالله عليك يا موزع
عبدالله بن بخيت

كل ثلاث سنوات أشعر بالغبن لمدة شهر تقريباً على ربع ريال عليّ أن أدفعه يومياً دون وجه حق.
بذل ابن هذا البلد عبر أجيال متلاحقة جهوداً كبيرة لتحسين أوضاعه سواء ضد الغير أو ضد الطبيعة أو ضد تحديات مساوئ الإدارة. نجح في الكثير وما زال أمامه مشوار طويل لإنهاء بقية مشاكله. كلما تغلب على مشكلة أحدثت الأيام مشكلة جديدة. هذه سنَّة الحياة ومنبع حيويتها. لم أعرف أنه شعر بالهزيمة الكاملة أمام أي تحدٍّ كما فعل أمام تحدي البريد. مازالت كل تحديات التنمية والتطور مطروحة أمام الناس تراجعها وتتصارع معها. ربما تؤجلها لكنها تعود إليها عاقدة العزم على هزيمتها. كنا نشتكي من صعوبة الحصول على خط تلفون وها نحن الآن نستطيع أن نحصل على أي عدد في وقت قياسي. كنا نشتكي من كثرة انقطاع التيار الكهربائي وها نحن نتعامل مع الكهرباء وكأن حضورها بدون انقطاع أمر بديهي كتوالي الليل والنهار. مع صحوة الصحافة وتركها كثيراً من مكاييل المديح ولكي تكون صوت الناس بدأت بنقد الخدمات فأخذت تتصارع من القائمين عليها وبعد سنوات من التصارع استطاعت أن تحقق كثيراً من مطالب المواطنين. لم تنس الصحافة البريد على أساس أنه واحد من الخدمات الحضرية التي يحتاجها الناس. فدخلت معه في معركة كبيرة ولكن القائمين على البريد كان لديهم عذر جاهز لا يستطيع أي كائن أن يدحضه أو يجادل في مشروعيته. لكي يصل البريد إلى منزلك لابد من توفر عناوين للمنازل. عندئذ يلوذ الناس إلى الصمت ويلتفتون إلى البلدية التي تتحمل مسؤولية ترقيم الشوارع ووضع العناوين.
استطيع ان أدعي أن الرياض أصبحت منظمة وشبه مكتملة العناوين. يستطيع أي إنسان أن يصل إلى أي منزل فيها. فالأحياء معرفة والشوارع معرفة والمنازل والفلل مرقمة. هذا هو العنوان الذي يطلبه أي ساعي بريد.
مثلي مثل غيري نسيت قضية البريد ولم أعد أعرف أن هناك مشكلة اسمها البريد. أزور صندوق بريدي في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً استلم ما يصلني من رسائل وبعض الإشعارات والفواتير وما تبقى طلبات تبرع ومجموعة من الإعلانات وهذه الأخيرة هل يستفيد منها البريد أم تأتي مساعدة لوجه الله وهل يحق للبريد استخدام صناديق البريد المدفوعة القيمة ليحقق من ورائها أرباحاً. قضايا كثيرة لم يعد أحد يهتم بها لأنها تتعلق بخدمة فقد الناس إحساسهم بها. يبقى شيء واحد مازال يغبنني وهو رسم صندوق البريد. كل ثلاث سنوات يصلني إشعار بتسديد فاتورة صندوق البريد. أتردد في تسديدها لأنها نوع من النهابة.
في العالم كله حتى في مجاهل أفريقيا أو جزر الفلبين النائية أو حتى في أعالي جبال الأنديز يصلك البريد، يطرق باب بيتك. فكلمة بريد تعني وصول الرسائل إلى أصحابها. وكلمة بريد تعني شيئا أهم وأخطر أيضا. فالإنسان يختلف عن الحيوان في أشياء كثيرة من أهمها أن له اسماً وعنواناً: فالإنسان هو كائن مستقر حتى في حركته. والبريد هو دليل على حضور هذه الخاصية الإنسانية. إذا بريدك يصلك إلى بيتك فهذا معناه أنك إنسان لأنك تملك عنواناً خاصاً بك يجعلك تتواصل مع أي إنسان في أي مكان من هذا العالم.
لو كنت أدفع مائة ريال سنوياً لقاء توصيل الرسائل إلى بيتي لقلت هذا إجحاف لأن سعر الرسالة يتضمن سعر توصيلها إلى أصحابها. لكني الآن أدفع ثلاثمائة ريال لقاء خدمة أقدمها للبريد. أدفع مائة ريال سنوياً لقاء إعفاء الإخوان في البريد من مسؤولياتهم. نوع من الجور سمه ما شئت.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved