لقد لعب الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين ديلانو روزفلت دوراً مركزياً في التاريخ الأمريكي لا يمكن أن يشكك فيه أحد، فقد قاد الولايات المتحدة بنجاح خلال فترة (الكساد العظيم) في الثلاثينيات، إضافة إلى دوره في الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى تغيير دور ومكانة الحكومة الفيدرالية في المجتمع الأمريكي بصورة شاملة، ولكنه اليوم، وبعد 60 عاماً من وفاته، لا يزال غامضاً ومثيراً للجدل كما كان دائماً في أثناء حياته.
مؤلف الكتاب كونراد بلاك، يقوم بتسليط الضوء بطريقة جديدة وغير عادية على ذلك السياسي الأمريكي.
وقد ولد مؤلف هذا الكتاب في كندا، ثم أصبح من أكبر الناشرين الغربيين وتخلى في النهاية عن جنسيته الكندية ليصبح مواطناً بريطانياً، وحتى وقت قريب كان الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة (هولنجر) الدولية، وهي الإمبراطورية الإعلامية الكبيرة التي تصدر كلاً من جريدة الديلي تيليجراف البريطانية، والجيروزاليم بوست وشيكاجو صن تايمز، وقد حصل على لقب لورد كروسشاربر، وأصبح مشهوراً في الدوائر السياسية المحافظة على جانبي الأطلنطي في كل من أمريكا وبريطانيا.
وقد تعرض كونراد بلاك ومؤسسة هولينجر مؤخراً إلى عدة انتقادات وتحقيقات بسبب بعض المشاكل المالية، ولكن لا توجد أي دلائل على أن ذلك قد أثر على كتاب (بطل الحرية) بأي صورة من الصور، فالكتاب يمكن بل ينبغي أن يحكم عليه بصورة مستقلة عن تلك المشاكل. وبالرغم من أن بلاك يعد من المحافظين، إلا أنه قد احترم ووقر روزفلت كثيراً، والذي وصفه بأنه (كان أهم شخصية في القرن العشرين)، وقال إن مكانته في التاريخ الأمريكي تعادل مكانة كل من جورج واشنطن وأبراهام لينكولن، وأضاف أن سبب عظمته يرجع إلى العديد من الأسباب والانتصارات السياسية، فقد استطاع أن ينقذ الحضارة الغربية من الفناء هو وزميله ونستون تشرشل، كما قام بكسر العزلة العالمية عن الولايات المتحدة بصورة مطلقة وأوقفها على أولى عتبات الريادة العالمية، كما أنه قام بإعادة تشكيل الحكومة الأمريكية، وأظهر براعة لا نظير لها في قيادة النظام السياسي الأمريكي، إضافة إلى انتصاره الشخصي الحاسم على عجزه الجسدي.
ولكن يضيف بلاك إنجازاً آخر، وهو ما قد يخالف الانطباع السائد الذي يعتقده كثير من المؤرخين، وهو أن العجز الملموس لروزفلت في اتفاقية يالطا مع الزعيم السوفيتي ستالين منعه من مقاومته مما أدى إلى إعطاء الاتحاد السوفيتي الكثير من الحرية لاستعباد دول أوروبا الشرقية، ولكن من وجهة نظر بلاك فإن اتفاقية يالطا أرست الإطار العام الذي مكّن خلفاء روزفلت في أعقاب الحرب من (استكمال الانتصار الذي حققه الحلفاء في الحرب العالمية الثانية)، مما قاد في النهاية إلى تحرير دول أوروبا الشرقية.
كما قال بلاك إن روزفلت قد مارس جهوداً معقولة بالرغم من أنها في النهاية كانت عديمة الجدوى من أجل إجبار ستالين على أن يكون من قادة العالم المسؤولين في أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكن لأن روزفلت كان يتعامل مع ستالين بواقعية وكان يعرفه تمام المعرفة، فقد أراد أيضاً أن يقوم باحتواء الاتحاد السوفيتي، فقد قام على سبيل المثال بتقليل نفوذ روسيا في فترة ما بعد الحرب في كل من فرنسا وإيطاليا، كما تأكد من أن حلفاءه الغربيين قد احتلوا أكبر جزء ممكن من ألمانيا، ثم تحرك بحسم بعد ذلك لتطوير السلاح النووي، كما كان هو من أنشأ الأمم المتحدة والتي أمدت الدول الغربية بعد ذلك بإطار عام للتعاون الدولي مما مثّل ثقلاً موازياً للنظرة التوسعية السوفيتية. وربما يختلف القارئ أو يتفق مع ذلك التقييم، ولكن بلاك قد قدم تحليلاً شاملاً ومتعمقاً لتلك الحقبة.
وبينما جاء تأييد بلاك لروزفلت في ذلك الكتاب بصورة مطلقة، إلا أنه في بعض الأحيان لم يتردد في أن يسلط الضوء على مواطن ضعف فرانكلين روزفلت. وقد وجد الكثير بالفعل؛ مثل قرار روزفلت باعتقال الأمريكيين الذين تجنسوا بالجنسية اليابانية، وانقلابه على شارل ديجول وعداؤه له، وعدم رغبته في مساعدة يهود أوروبا بالرغم من أنه كان يستطيع أن يفعل ذلك بسهولة، كما أفرد الكثير من صفحات الكتاب عن خشيته من التعامل مع قضية الفصل العنصري آنذاك.
وقد ناقش بلاك أيضاً وبصورة مطولة أحكام روزفلت الخاطئة على بعض الذين وثق فيهم، مثل جوزيف كينيدي وهنري والاس، كما ألقى الضوء على بعض نقائصه الشخصية مثل انعزاليته وعدم قدرته على التبسط مع أصدقائه ومعارفه، وركز أيضاً على فشله في أن يكون أباً جيداً لأبنائه. وإلى جانب اشتمال ذلك الكتاب على سيرة حياة مطولة ومفصلة لفرانكلين روزفلت، إلا أنه قد اشتمل أيضاً على تسليط الضوء وبكثافة على التاريخ السياسي للنصف الأول من القرن العشرين، وأورد تأريخاً عميقاً للنواحي العسكرية والسياسية للحرب العالمية الثانية، واستطاع بمهارة أن يربط تلك المواضيع ببعضها البعض ليخرج الكتاب شاملاً وثرياً بالمعلومات، وأفرد عدة صفحات تصف كيف استطاع فرانكلين روزفلت دراسة سابقيه الرؤساء تيودور روزفلت وودرو ويلسون مما أدى إلى تحسين قدراته كرئيس للبلاد.
وهناك بعض السلبيات في الكتاب مثل اعتماده الرئيس على مصادر ثانوية في استقاء معلوماته، وبالرغم من ضخامة الكتاب إلا أن هناك بعض أجزاء من حياة روزفلت لم يتم تغطيتها، فعلى سبيل المثال لم تظهر زوجته إليانور روزفلت كثيراً في الكتاب، بل بصورة عرضية عندما كانت تعترض على بعض آراء روزفلت والتي اعتبرها بلاك على أنها إما إمبريالية بصورة كبيرة أو أنها كانت تتمتع بنظرة عملية، أو كلاهما.
ومثل العديد من مؤلفي السير الحياتية للعظماء، لم يستطع بلاك مقاومة إغراء كتابة كافة الحوادث والقصص التي قد تبدو تافهة في بعض الأحيان، والقصص العرضية التي اكتشفها. وفرانكلين روزفلت كان شخصاً عظيماً ويستحق أن يخضع تاريخه لتمحيص وتدقيق طويلين، ومن الصعب أن نتخيل أن أي سيرة حياتية مختصرة له يمكن أن تحظى بنجاح، وذلك لتحدياته وإنجازاته غير العادية، ولكن بالرغم من ذلك فقد جاء ذلك الكتاب الذي يتكون من 250 صفحة أطول قليلاً من المطلوب.
وأكبر مشكلة تواجه كتاباً طويلاً بهذا الحجم هي أن عدد صفحاته الكبير ربما يجعل بعض القراء يحجمون عن محاولة قراءته، ولكن ذلك شيء يدعو إلى الخجل لأن كتاب (بطل الحرية) شامل ومتوازن ومليء بالأفكار والمعلومات، وهو كتاب رائع ويستحق أن يحظى بعدد كبير من القراء.
الكتاب Franklin Delano Roosevelt: Champion of Freedom
المؤلف : Conrad Black
الناشر:Public Affairs
|