في عام 1737 اتهم أحد النقاد باخ (1685- 1750) الأستاذ بجامعة هارفارد والموسيقار الشهير، بأنه رجل متحذلق أفسد إبداعاته التي منحتها له الطبيعة من خلال (المبالغة في الفن). ومن هنا ينطلق كريستوف وولف ليعرض لنا حياة باخ المثقف وقيمة الإنجازات التي حققها مقارناً بينه وبين السير إسحاق نيوتن عالم الفيزياء الشهير.
رحل الموسيقي يوهان سباستيان باخ منذ مائتين وخمسين عاماً في 28 يوليو عام 1750 في مدينة ليبزيج الألمانية, ومع ذلك ربما يعتبر أكثر الموسيقيين براعة ممن عاشوا على وجه الأرض.
وتعتبر صفة الموسيقار المثقف عنواناً مناسباً لهذه السيرة الفكرية التي تقيم حياة جوهان سباستيان باخ بطريقة منهجية علمية متوقعة من الكاتب الذي كان يعمل أستاذا للموسيقي بجامعات هارفارد وكمبريدج وماساشوستس بدءا من عام 1976م.
وقبل ذلك في الفترة من عام 1963 حتى عام 1968 قام بالتدريس في جامعة ايرلنجتون بألمانيا وقضي عاما كأستاذ زائر بجامعة بازل بسويسرا.
ومنذ 1990 عمل أستاذا للموسيقى في جامعة فريبورج بألمانيا.
ولد يوهان سباستيان باخ في أسرة من الموسيقيين لها العديد من الفروع التي وجدت واستمرت لأجيال بعد موته.
ويؤكد المؤلف من خلال المصادر النادرة التي حصل عليها أن أعمال باخ المبكرة قبل عام 1705 تؤكد أنه تمكن من إتقان التأليف الموسيقي إلي جانب أنه كان عازفاً ماهراً أيضاً. وتمثل هذه الحقيقة تقييما جديدا لعمله المبكر ليس قائما على نتائج بحث جديد وإنما على أساس إعادة تفسير للمصادر المتاحة.
بدأ الكاتب هذه السيرة بمناقشة هجوم أحد النقاد عام 1737 والذي وصف باخ بالمدعي الذي أفسد الجمال الطبيعي لإبداعاته بما أسماه الإفراط في الفن. وهو يقدم للقراء صورة شاملة وكاملة للمؤلف الموسيقي كفني متخصص وعبقري فذ لا مثيل له في فن الموسيقي. ويقارن الكاتب عن علم ومعرفة المؤلف الموسيقي الألماني بالعالم إسحاق نيوتن.
فقد قام الرجلان بإحداث تغييرات جذرية، كل في مجاله، ووضعا مبادىء جديدة وسعى كل منهما إلى التعبير عن النظام المبدع المتناسق الذي خلق الله به الكون وأبدعه في أحسن صورة. وعلى الرغم من تناول المؤلف للتفاصيل الشخصية لحياة باخ بما في ذلك زيجتيه والإنجازات الموسيقية لعائلته, فإنه يركز بشكل أساسي على أدائه كعازف لا يبارى للأورغن ومؤلفاته الموسيقية العبقرية.
كما يقوم بتحليل وتقييم إضافات وتحديثات باخ في الهارموني وازدواج الخط اللحني بداية من منوعات جولدبرج مرورا بمجموعة الكونشرتو براندنبرج حتى فن المتتابعات, ويضعها في سياق التاريخ الموسيقي والاجتماعي الأوروبي عبر جو جميل من التفاصيل. لقد كان الكاتب عميق الفهم لعبقرية ذلك الموسيقي الذي غير موسيقى الغرب.
ويصف الكاتب كيف كان باخ الذي عاش مابين عام 1685 و1750يكسب عيشه في بداية حياته بالترحال لفحص آلات الأورغن في الكنائس.
ويخصص مساحة كبيرة من الكتاب لدراسة نظرة معاصريه إليه باعتبار رؤيتهم للموسيقي تتناقض تماماً مع رؤيته لها حيث كانوا يعتبرونها فناً وليست علماً بينما يرى هو أن الموسيقى يجب أن تعتمد على المعايير العلمية.
وقد نقّب الكاتب عن وثائق معاصرة لعصر باخ وقدم تفاصيل مثيرة عن الوسائل التي اتبعها لكسب قوته اليومي وتنازله عن مخطوطات مؤلفاته بعد موت العديد من أعضاء عائلته وعن حماسه الموسيقي وهو شاب مثل رحلته على الأقدام لمسافة 250 ميلا ليرى ويسمع العازف والمؤلف للأورغن بوكستيود.
والكثير من حياة باخ لا يزال خافيا مثل سبب موته الغامض في سن السادسة والستين وأين بالضبط تم دفنه حيث لا يوجد شاهد على قبره.
الكتاب: Johann Sebastian Bach: The Learned Musician
تأليف: Christoph Wolff
الناشر: W. W. Norton & Company; (September 2001) |