Saturday 2nd July,200411660العددالسبت 14 ,جمادى الاولى 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

عقول مغتربة.. خارج التاريخ عقول مغتربة.. خارج التاريخ
باقر الشماسي

عقول وبؤر تنشط في الظلام للهدم، وهذه البؤر لا يروق لها استقرار المنطقة، حيث مصالحها الشخصية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعزف على أنغام التوترات الطائفية والقومية، والقبلية والاقليمية؛ لتمزيق كل شعب على حدة، فحين تسلل صدام حسين وعصابته تحت جنح الظلام إلى السلطة، تحت عباءة القومية والوحدة و(الاشتراكية!) جند لهذه الشعارات، لخداع الملايين من الأمة العربية، مئات الأطنان من الورق، والملايين من قوارير الحبر.
كما جند مئات الأقلام التي تباع في سوق (الرقيق القلمية) وفي بعض أسواق المؤتمرات الشوفينية، وبالتالي جند لكل هذه وتلك من السلع، المئات من ملايين الدولارات على حساب الملايين من المسحوقين والجياع من الشعب العراقي، ليسلب منهم لقمة العيش والكرامة. هذا عدا ما أنفقه من ميزانية حكومته على التسلح، يصل سنوياً إلى ثمانين بالمائة حسب ما جاء في بعض التقارير عن نظام صدام البائد، لغزو الكويت، وقتل الشعب العراقي بالجملة في الجنوب والشمال، بالمواد الكيماوية.. وتلك الأقلام المرتزقة المشبوهة، والأفكار المأجورة لا يزال بعضها يعمل في الظلام تحت مسميات، وبعضها تحت مظلة (المصالحة ونسيان القتل بالجملة، بالكيماوي) (!!!) وعفا الله عما سلف؟ عمن تلطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي (حيث هي مجرد أخطاء غير مقصودة) والمسامح كريم.. إن الشرفاء الحقيقيين كان الكثير منهم ضحايا لانتهازية صدام وجبروته وجرائمه البشعة.. وهناك كذلك بؤر ديماغوجية ترفع بيارق الدفاع عن الدين، ومن أجل الصحوة!! وهي لا تمثل إلا عقولاً مبرمجة تتحرك بالرموت كنترول فتضخ روح الفرقة والتعصب، والغلو بين الطوائف الإسلامية، وتعميق تضاريس الاختلاف، لكي يحترب المسلمون فيما بينهم لخدمة أعداء الأمة من الداخل والخارج. كما حدث لأفغانستان لمدة عشرين عاماً، وقد اتخذوا من هذه المسميات، كالصحوة نحو إسلام صحيح! ومحاربة البدع (أي التطور وحرية الرأي والرأي الآخر) كمطية للوصول لأغراضهم (السلطة وحكم الأمة بالنار والحديد) مهما كان الثمن، وقد تجلى ذلك فيما رآه العالم أجمع ضحايا التفجيرات، وقتل المئات من الأبرياء في الرياض وغيرها من مدن بلادنا، وفي المغرب العربي، وفي إندونيسيا، وفي إسبانيا، وفي العراق المنكوب، وفي بلدان أخرى. ورأينا كذلك قبل هذه الجرائم البشعة، رأى العالم في 11 سبتمبر 2001م والذي تمثل فيها فاجعة للإنسانية أجمع، وليس لتلكم الآلاف من الضحايا في البرجين، أي ذنب فيما ترتكبه الإدارة الأمريكية من تحالف وتأييد لما تفعله صنيعة الإمبراطورية البريطانية (الدولة الصهيونية) من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
فهل هذه هي الصحوة نحو تقويم العالم والدخول في الدين الإسلامي؟! وهل الدين الإسلامي الحنيف قد بات في أفول واغتراب لينقذوه كما يزعم البعض في هذه الأمة؟! وإن الإسلام بألف خير وليس بحاجة لأصحاب العقول الهشة، والقراءة الخاطئة، إن الإسلام بألف خير قبل أن يفكوا الحرف، وقبل أن يضعوا أنفسهم ربابنة في سفينة المسلمين اغتصاباً، بدليل أن عدد المسلمين اليوم قد تجاوز المليار ومئتي مليون نسمة، وأن بيوت الله عامرة بالبشر، وعددها يتصاعد يوماً بعد يوم، فما هو المبرر إذن في قتل المدنيين الأبرياء بالجملة؟ هل هذا من أجل النصح لإدخال الناس في الإسلام كما يرونه؟ وبالنار والحديد؟ أم الدافع هو المزاج العبثي التدميري، وحبك الفتاوى لتكفير الناس ممن يختلفون معهم في الرؤى المذهبية والسياسية.. إن هذا التوجه الخاطئ والخطير، والاستماتة للإمساك والهيمنة على السلطة في بلاد المسلمين، بهذه العقلية المتكلسة، وبهذه الطرق الهمجية هي التي مزقت الأمة العربية والإسلامية، حتى أصبحت اليوم مستهانة ومتهمة بتفريخ الإرهابيين، وتزويدهم بالأموال والسلاح والتدريب، وهذا هو حصاد الفكر القمعي التكفيري: تعميق الشروخ في كيان الأمة، وإضعافها، واستلاب وامتهان المرأة وكرامتها، وانتهاك حقوق الإنسان في التعبير والقناعات، والتي كفلها الإسلام للإنسان المسلم وغير المسلم، بقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وقال تعالى لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: {َلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
إن هشاشة قراءة أولئك الغلاة للمتغيرات المعاصرة وللتاريخ، أضحى سيد المشهد، والمحصلة النهائية، هي هزائم وتخلف هذه الأمة عن الركب الحضاري، والقهقرى، والرجوع إلى المربع بما يشبه عصر الجاهلية، الأمر الذي جرأ الأجنبي على غزونا عسكرياً واقتصادياً. وتوالت على الأمة الهزائم والنكسات على أيدي الصهاينة، ذلك لأننا أمسينا في هذا العصر أمة محنطة لا حراك فيها ولا إبداع، بل عالة على ما ينتجه لها الغرب من مأكل وملبس، وتقنية، وغير ذلك، اللهم إلا تنافس البعض في الفراسة على التدمير وإلغاء ومصادرة حقوق الحلقات الأضعف.. ولن تخرج هذه الأمة من هذا النفق الدامس، لكي تسهم في حضارة الإنسان، ولكي تكون رقماً مهماً وعصياً على الأعداء والصهيونية، في المدى المنظور، إن لم يكن بعد قرن أو أكثر، وبعد نضوب الثروات، طالما بقي تأثير تلكم العقول والبؤر المغتربة فاعلاً ومؤثراً على الساحة الثقافية والاجتماعية، والسياسية.. ولكن ليس ثمة أمر مستحيل في حلحلة هذه المكونات الثقافية السقيمة، وتأثيراتها السلبية عند الساحة الاجتماعية والسياسية في المجتمعات الإسلامية والعربية تحديداً، تدريجياً، نظراً لتطرف تلك الفئات وأدائها التخريبي، ومنهجيتها البليدة؛ مما ينفر الأغلبية الساحقة عن أفعالها ومنهجيتها، وبالتالي التصدي لها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved